الرئيسية | تحاليل سياسية | ليبيا: الحلول التي تدنو ثم تبتعد. |بقلم: حسن السوسي.

ليبيا: الحلول التي تدنو ثم تبتعد. |بقلم: حسن السوسي.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ ليبيا: الحلول التي تدنو ثم تبتعد. |بقلم: حسن السوسي*.

تدخلت الرئاسة الفرنسية بشكل مباشر في شخص الرئيس إيمانويل ماكرون هذه المرة في صلب الأزمة الليبية من باب البحث عن الحل الممكن، وفي أقرب وقت ممكن، لهذه الأزمة الكبيرة التي كان لفرنسا في عهد نيكولا ساركوزي دور محوري في تحديد مساراتها السلبية ولم تساهم ولاية فرنسوا هولاند في الدفع بها نحو الحل المنشود.

سلوك براغماتي أكيد هذا الذي اعتمده الرئيس الفرنسي عندما قرر تيسير لقاء بين قطبين أساسيين في الأزمة الليبية ليس ممكنا تصور حل لها دون انخراطهما القوي والملموس فيه، وهما المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي الحالي وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.

لهذا الاختيار أسباب وجيهة؛ فخليفة حفتر هو الرجل العسكري القوي المدعوم من الحكومة الليبية المؤقتة في شرق ليبيا والذي أعاد بناء القوات المسلحة الليبية في عملية حرب متواصلة على الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في بنغازي وعدد من المدن الليبية الأخرى، الأمر الذي حوله إلى عنصر محوري في صنع حاضر ومستقبل ليبيا، حربا وسلاما.

وليس بالأمر اليسير التأكيد هنا على الدعم الذي يحظى به من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يعتبر أن مصير ليبيا عنصر جوهري في تحديد طبيعة التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري خاصة من جانب الإرهاب الذي تحولت ليبيا إلى إحدى أخطر بؤره في شمال أفريقيا.

كما يحظى بتأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعمل على تجاوز ما تعتبره القيادة الروسية سلبيات موقفها من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الخاص بليبيا عام 2011.

أما فايز السراج فهو محصلة توافقات دولية وليس ممكنا تجاهل موقعه الرمزي في كل عملية سياسية جدية في ليبيا على قاعدة المبادئ الأساسية لوثيقة الصخيرات حول المصالحة الوطنية، وإن كان نفوذه الفعلي على الأرض لا يرقى إلى ما كانت الأمم المتحدة ترغب فيه، عندما منحته دعمها وحاولت حصر الشرعية السياسية في المجلس الرئاسي الذي يرأسه، إذ لم يستطع عمليا إثبات وجود حكومته على الأرض في مواجهة حكومة الإخوان والميليشيات التي تدعمها من جهة، وحكومة عبدالله الثني المؤقتة التي اعترضت على شرعيته لأنه لم يتقدم أمام مجلس النواب بأي برنامج ولم تحظ حكومته بالتالي، بثقة النواب الليبي كما تقتضي ذلك اتفاقية الصخيرات ذاتها.

فهل تستطيع فرنسا إخراج الرجلين من خنادق التنافس القوي شبه التناحري لإدخالهما ضمن دوائر التعاون والشراكة لإخراج ليبيا من أزمتها؟

يؤكد بيان باريس على مبادئ هامة في قاعدة بناء المرحلة المقبلة في ليبيا على أساس نبذ اللجوء إلى السلاح إلا ما تعلق بمحاربة الإرهاب ومنعه من التوسع في البلاد وانطلاقا من التوافقات الأساسية التي اعتمدت في الحوار الوطني في الصخيرات التي لم تكن تحظى بدعم حفتر بينما كانت قاعدة تشكيل المجلس الرئاسي الذي يستمد منه السراج شرعيته على المستوى الدولي.

إن الإشارة الواضحة إلى هذه الوثيقة من حيث احترام أهم مبادئها توضح أن جهودا كبيرة قد بذلت من قبل أطراف الأزمة الليبية للاقتراب، ولو تدريجيا، نحو الحل خاصة متى تم الالتزام بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال السنة المقبلة بشروط ملائمة ومقبولة من طرف الجميع.

ويبدو أن الأمر الأكثر أهمية، راهنا، هو كيف ستتصرف القوى المؤثرة في المشهد السياسي الليبي مع مختلف بنود بيان باريس ومدى التزامها بالاحتفاظ بمناخ التوافق الحالي وعدم الانزلاق إلى اعتماد تأويلات لتلك البنود تبعدها عن أجواء لقاء باريس واللقاء السابق بين حفتر والسراج في الإمارات العربية المتحدة.

ولعل السؤال الأكثر إلحاحا اليوم هو: هل ستضطر قطر إلى التراجع عن أدوارها في دعم الإخوان بعد الأزمة التي تتخبط فيها في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي أم أنها ستقوم بكل ما في وسعها لإفشال أي اتفاق بين الرجلين إذا كان على حساب المؤتمر الوطني العام؟ وما هي أهم الأوراق التي تحتفظ بها بخصوص إدارة الأزمة في ليبيا بعد التوتر الصريح والواضح بينها وبين قائد الجيش المدعوم من مصر والإمارات التي هي من أهم دول حصار قطر راهنا.

إن دخول الرئيس الفرنسي الجديد على خط الأزمة الليبية بهذا الزخم يدل على حقيقتين أساسيتين أدركتهما القيادة الفرنسية: الأولى، أن سياسات ساركوزي وهولاند لم تكن موفقة في مقاربة هذه الأزمة بما يعيد فرنسا إلى طاقم قيادة إدارتها والبحث عن الحلول الواقعية القابلة للحياة، وبالتالي، فإن على الرئاسة الفرنسية إعادة النظر في تلك السياسات القاصرة.

الثانية: أن لدى القيادة الفرنسية أوراقا يمكن أن تلعبها وعليها أن تلعبها لإعادة الأزمة الليبية إلى سكة الحلول الواقعية والممكنة انطلاقا من توفير ما يمكن من الشروط داخل ليبيا، وفي محيطها وعلى صعيد الأمم المتحدة.

ولعل ما يدعم هذه الحقيقة كون البيان الختامي للاجتماع قد ركز على كل العناصر الإيجابية التي تراكمت في المرحلة السابقة لإعطاء تصور تركيبي للحل يعتمد على اتفاق الصخيرات ويستند إلى قرار الأمم المتحدة الداعم للمجلس الرئاسي ولحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج وعدم تجاهل الشرعية الانتخابية لمجلس النواب والحكومة المؤقتة في شرق البلاد ودعمهما القوي لقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر الذي أعاد تنظيم الجيش في خضم الحرب على الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تنشط بقوة في ليبيا والتي ترغب في تحويلها إلى قاعدة قوية للإرهاب الدولي. وخاصة منه تنظيم داعش الذي يواجه معارك مصيرية في العراق وسوريا والذي يحتاج إلى متنفس في شمال أفريقيا.

إن الأزمة الليبية قد عرفت مراحل كانت تتراءى فيها الحلول قريبة جدا لكنها لا تلبث أن تتوارى عن الأنظار بافتعال خلافات هنا أو تدخلات هناك. لكن هذا لا ينفي أن أجواء التفاؤل هي التي تسود الوضع بعد وثيقة باريس.

——————————————————————————————————————

* كاتب مغربي.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.