الرئيسية | تحاليل رياضية | العنف في الملاعب الرياضيّة التونسية غول قد يأكل الأخضر واليابس. | تحاليل.

العنف في الملاعب الرياضيّة التونسية غول قد يأكل الأخضر واليابس. | تحاليل.

تحاليل _ تحاليل رياضية _ العنف في الملاعب الرياضيّة التونسية غول قد يأكل الأخضر واليابس.

شهدت الملاعب التونسية في الآونة الأخيرة منعرجا خطيرا إذ تصاعد العنف اللفظي والبدني والرمزي، وكثرت الإصابات الخطيرة في صفوف اللاعبين وتوتّرت العلاقات بين مختلف الأطراف ممّا مثّل لحظة حاسمة دقّت نواقيس الخطر وطرحت ملفّ الرياضة بتونس عامة وملف كرة القدم بصورة خاصة للنقاش والتحليل بعد ما فرضت هذه الأحداث المتتالية والمتصاعدة سؤالا حارقا: إلى أين تتجه الرياضة في تونس؟

من نافلة القول التذكير بمبادئ الرياضة السامية وقيمها النبيلة والتضحية من أجل إنسان كامل ومجتمعات فاضلة وإنسانية مثالية فالرياضة أخلاق أو لا تكون.

إلّا أنّ تحقّق هذا الشعار النبيل يشترط أرضية سليمة ومناخا نظيفا ووسائل مناسبة للأهداف وهي أمور قلّما تجتمع في مكان واحد ولحظة واحدة غير أنّه بالإمكان توفيرها.

فالمتأمل فيما يحدث في المشهد الرياضي عالميا ولا سيما في الدول المتقدّمة يلحظ بسهولة تلوّث المناخ الرياضي بالرشوة والفساد والتلاعب بالنتائج والفتن الخ…

فلم يسلم بلد من هذه التجاوزات فقد عرفت فرنسا فضائح عديدة وشهدت ملاعبها اشتباكات بين الجمهور واحتجاجات على الحكام مثلما عرفت إيطاليا فضائح من الوزن الثقيل تسببت فيها عصابات الجريمة المنظمة أساءت لقيم الرياضة ومختلف المواثيق الأخلاقية وها هي تونس في السنوات الأخيرة باتت تعرف هي الأخرى  منعرجا خطيرا استوجب التحليل وتقديم الحلول الملائمة لإنقاذ الرياضة التونسية ممّا بدأت تنزلق إليه وتنذر به من المصائب والكوارث لا قدّر الله.

بالطبع إنّ الرياضة تتأثّر بالتحولات الاجتماعية والعالمية، إذ لا يخفى ما عرفته تونس من تغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية منخرطة في الرأسمالية العالمية ومتأثرة بها إيجابا وسلبا.

فدخلت بذلك الرياضة عالم الاحتراف وهدفت إلى تطوير المردودية الرياضية كمًّا وكيفًا وحققت تونس نتائج مرموقة محليا وإقليميا وعالميا فتحسّن أداء الرياضيين محليا وتموقعت تونس إقليميا وأصبحت تحثّ الخطى نحو التألق والتموقع عالميا.

إلّا أنّه وبالرغم من هذا التطوّر عرفت الرياضة ظواهر خطيرة باتت تستشري وتهدّد اللحمة الوطنية التي ضحّت الأجيال المتعاقبة وسياسات الدولة منذ الاستقلال من أجل تمتينها وترسيخها فعرفت رياضتنا أزمة التحكيم وأزمة الرشوة والجهوية وانحياز بعض مواقع التأثير في هياكل سلطة الإشراف الرياضي والإعلام لفريق دون آخر ولمسؤول دون آخر وأصبحت الأجواء ملوّثة والمقابلات متوتّرة توتّرا عاليا كأنّنا في أجواء حروب جهوية أو أحياء أو دول ما دام بعضهم يصف ناديه “بدولة” !

وإن تفسير مثل هذا التوتر يعود إلى عدة عوامل منها دخول الرياضة التونسية عالم الاحتراف المادي والمالي دون أن يصحبه استعداد نفسي وثقافي وتأطير فكري ومدني وخاصة الإطار المسيّر ورؤساء الجمعيات إذ سمعنا ارتفاع ميزانيات بعض الجمعيات المحترفة لتبلغ عشرات المليارات دون أن نسمع في المقابل عناية بتأطير اللاعبين والجمهور عبر المحاضرات وحملات التوعية الإعلامية والتربوية حول القيم الرياضية النبيلة واحترام المنافس أو الرياضة والقيم الوطنية والأخلاقية الخ…

وعليه أعتقد أن  الدعوة إلى مراجعة السياسة الرياضية الحالية على أساس المبادئ التالية تصبح ضرورية:

أولا: فتح حوار حقيقي وشامل بين مختلف الأطراف الرياضية والأطراف الاجتماعية والسياسية والمدنية لتشخيص أزمات الرياضة الحالية وتقديم الحلول المناسبة.

ثانيا: فتح ملف تلفزي حول العنف في ملاعبنا وتشريك الجميع لتقديم تصوّراتهم ذلك أنّ هناك رؤى جدّية وبنّاءة قادرة على المساهمة في انتشال شبابنا ورياضتنا من الفوضى الهدامة والجهوية المقيتة والفتنة القاتلة.

ثالثا: ضرورة مراجعة قوانين الرياضة في جانب التمويل العمومي ومحاسبة الجمعيات التي أصبحت شركات مالية كبرى حتى تتناسب ميزانيات هذه الجمعيات مع حجمها ودورها الوطني فلا يعقل أن تصبح بعض النوادي “دولا” داخل الدولة لتنقلب عليها وتخرب اللحمة الوطنية التي أفنت أجيال المناضلين الوطنيين منذ قرن ونيّف أعمارها في تركيزها وإعلاء صرحها.

نحن لا نعترض على تمويل النوادي الرياضية وتنمية مداخيلها في المطلق وإنّما نعترض على عدم اضطلاع رؤساء هذه النوادي بواجباتهم والتي أهمّها تأطير الشباب وتنمية ملكاتهم وعقولهم.

فهل يدرك هؤلاء الرؤساء تقصيرهم حينما يسعون إلى الربح المالي ويتركون الشباب فريسة للتخدير والتعصّب فيسهلون المهمّة على المفسدين والإرهابيين الذين سيجدون شبابا قابلا للاستقطاب في صفوفهم؟.

 

| تحاليل.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.