الرئيسية | تحاليل سياسية | الاحتجاجات الاجتماعية في تونس: التّعليم والتّربية والطّاقة والملفّات الحارقة.

الاحتجاجات الاجتماعية في تونس: التّعليم والتّربية والطّاقة والملفّات الحارقة.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ الاحتجاجات الاجتماعية في تونس: التّعليم والتّربية والطّاقة والملفّات الحارقة.

تعيش تونس على وقع اضطرابات طالت أكثر من قطاع حيوي في البلاد، لا يجمع بينها ظاهريا أي رابط سوى اندلاعها في الفترة نفسها وبالتزامن مع استفحال الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. لكن البعض يصرّ على أنّ هناك رابطا بين هذه الأحداث جميعا وليس من باب الصدفة أن تتزامن وفي هذا التوقيت تحديدا وأن هناك جهة تقف خلفها وليست بالضرورة جهة محلية.
وقد نال الحوض المنجمي نصيب الأسد من الاضطرابات منذ نهاية نظام بن علي في 14 جانفي 2011 الأمر الذي عطل قطاع الفسفاط وأضر كثيرا بالاقتصاد التونسي. فاستخراج هذه المادة يعتبر من الأنشطة الحيوية التي تجلب العملة الصعبة للبلاد، كما أن منتوج الخضراء يستغل جزء هام منه في الصناعات المحلية، الأمر الذي تسبب في توقف عمل المجمع الكيميائي التونسي بسبب غياب الفسفاط في دولة تعتبر من منتجيه الأوائل على مستوى العالم.

ثورة مستمرّة

ومن أسباب توقف إنتاج الفسفاط والمجمع الكيميائي هو الرغبة المحمومة لسكان الحوض المنجمي للعمل في شركة فسفاط قفصة، الأمر الذي يضمن راتبا هاما وتقاعدا مريحا. لكن طاقة استيعاب الشركة محدودة وقد انتدبت في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من العمال يزيدون عن حاجتها وذلك مساهمة منها في جهود الدولة في التشغيل، وهي الشركة الوطنية، فكانت هذه النتيجة الكارثية، حيث تسببت الانتدابات العشوائية في عجز مالي لواحدة من أهم الشركات التي يرتكز عليها الاقتصاد التونسي.
وعلى خلاف ذلك يرى منذر شريط الباحث الجامعي والإعلامي التونسي، أنّ موجة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تبقى على مدى العقود «محقّة» فهي تتنازعها قوتان، القوة الأولى هي الاستمرار الطبيعي للموجات التي تفترضها الحتمية التاريخية لثورة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011. فهذه الثورة التي اقتلعت، في رأيه، أعتى رؤوس الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي لن يهدأ بركانها بين عشية وضحاها، بل وحتى بين سنة وأكثر وربما بين عشرية وأخرى.
فهذه الثورة تولدت عنها، حسب محدثنا، تمثلات وتصورات لنماذج جديدة من الأنظمة السياسية وأيضا تمثلات مغايرة للواقع الاجتماعي الثقافي وأيضا للخيارات الاقتصادية التي تنشد العدالة والمساواة والحرية والكرامة. لكن هذا التشكل الجديد يعيش، في رأي شريط، وسط تهديدات القوة الثانية وهي الثورة المضادة والمهددة بانتكاسة لا قدر الله لما يسميه المؤرخ التونسي الفذ د. هشام جعيط بالاستقلال الثاني للبلاد التونسية، وذلك إذا اعتبرنا أن ما حصل في 20 مارس 1956 هو الاستقلال الأول. وأن ثورة14 جانفي2011 هي التي حققت الاستقلال الثاني والنهائي للبلاد.
ويضيف الإعلامي والباحث الجامعي التونسي قائلا: «إن هذه الثورة تتواصل اليوم ضمن هذه الحركات الاحتجاجية التي تعيشها بلادنا والتي تتمتع برصيد رمزي يمنحها الشرعية التاريخية. فقد عرفت البلاد منذ فترات من تاريخها العميق وأيضا الحديث هذا الزخم الاحتجاجي، فمن حنبعل القرطاجني الذي قاوم الروم وشق من أجل شرف مقاتلتهم جبال الألب، دافعا أمامه جيشا من الفيلة والجنود البواسل، إلى ثورة علي بن غذاهم الذي كان ويظل إلى اليوم الوقود الذي تستلهم منه الأجيال الشبابية وخاصة أحفاده في ولايات الوسط الغربي والقصرين وتالة تحديدا. وقد أبرز شريط وثائقي أنجز حديثا تحت عنوان «أصوات من القصرين» هذا التراث الثوري وهذه الروح المنتفضة لشباب وأهالي هذه الفيافي من البلاد التونسية».
ويتابع: «وإن كان الملوك الحسينيون قد انتقموا من أحد قادة الثورة في القرن الثامن عشر وهو البطل علي بن غذاهم فإن أحفاده أشعلوا في سيدي بوزيد ثم ولايات صفاقس وأخيرا العاصمة تونس ثورة واحتجاجات أسقطت رأس الديكتاتور بن علي الذي قمع آلافا من الشباب، وذلك عبر الاعتقالات والتهميش والإقصاء من دوائر الفعل والعمل، حيث كانت تونس سجنا كبيرا لآلاف من الشباب».

الملف التعليمي

لقد شمل الحراك الاجتماعي قطاع التعليم، وباتت تحركات الأساتذة والمدرسين تمثل هاجسا يؤرق مضاجع التونسيين بعد أن بات مصير ومستقبل جيل كامل على المحكّ. في هذا السياق يوضّح مرشد إدريس الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الثانوي، أنّ قطاع التعليم الثانوي هو صلب الاتحاد العام التونسي للشغل، ولديه مجموعة من الثوابت الوطنية والقومية وكان دائما رافدا للاتحاد العام التونسي للشغل. وطرح مع بداية السنة المدرسية جملة من المطالب، جزء منها له علاقة بالوضع المالي للمدرّسين جراء انهيار المقدرة الشرائية لعموم الشعب وللمدرّسين خاصة نتيجة التهاب الأسعار وعدم قدرة الحكومة على الحد منه، وجزء آخر له علاقة بالتضخم المالي الكبير وعدم نية الحكومة مواجهة المضاربين والمتهربين من دفع الجباية وهذا كله أثر، حسب محدثنا، على الوضع المالي للمدرسين فطرح جملة من المطالب.
وعن التحركات المقبلة لنقابة التعليم الثانوي أوضح إدريس قائلا: «نحن كنقابة تعليم من أبرز واجباتنا الدفاع عن هذا القطاع، ولدينا مطالب أخرى تتعلّق بالوضع التربوي العام الذي يشهد انهيارات كبيرة، باعتبار أن هناك سياسة ممنهجة من قبل الحكومات المتعاقبة تقوم على ضرب المرفق العمومي». ويضيف: «وقد لوحظ ذلك من خلال غلق باب انتداب المدرّسين للسنة الثانية على التوالي، ويحصل هذا لأوّل مرّة في تونس وكان له تأثير على حرمان مئات التلاميذ من دراسة بعض المواد، حتى أنّ بعض الجهات حرم التلاميذ فيها من اجتياز مواد أساسية بسبب نقص المدرّسين. ونلاحظ أيضا التخفيض المتواصل في ميزانيات المؤسّسات التربوية بنسب تتفاوت بين 20 أو 30 في المئة.
ولعل هذا ما جعل مؤسسات التعليم تجد صعوبة، في توفير المواد الأساسية مما نتجت عنه ظواهر غريبة على المجتمع التونسي مثل عمليات حرق المبيتات المدرسية وحرمان أبنائنا التلاميذ من حقهم في وجبات تليق بالمواطن بعد أكثر من 60 سنة استقلال».
وأضاف: «لذلك نحن نطالب بتحسين الوضع التربوي وهو أولوية في عمق تحرّكاتنا في إطار الدفاع عن المرفق العمومي، وندعو أيضا إلى مراجعة نيّة الحكومة في الرفع الإجباري لسن التقاعد، وعبرنا عن رفضنا لذلك وطالبنا بتقاعد مبكر، وهذا كله دون الحديث عن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة في استهداف مكتسباتنا الاجتماعية وهو ما جعلنا منذ نوفمبر الماضي نتخذ تحركات نضالية وأنجزنا إضرابا عاما في المدارس الإعدادية والثانوية. وقمنا بتجمع أمام مجلس نواب الشعب لإيصال صوتنا، وتعاملت وزارتا الإشراف وهما وزارة التربية والرياضة بلا مبالاة ولاحظنا عدم جدية في التعاطي مع هذه الملفات، وقررنا القيام بحجب الأعداد عن الإدارة».
وعن أسباب تصاعد وتيرة الاحتجاجات في تونس خلال الأعوام الماضية، يوضح محدثنا أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي رديء جدا في البلاد. إذ كان التونسيون ينتظرون مما حدث في 2011 على اعتبار أنه ثورة، أن يرتقي بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي نحو الأفضل لكن للأسف الشديد ما حدث هو عكس ما كانت تنتظره الجماهير. وهذا ما جعل سقف المطالب يرتفع لدى عموم الجماهير.
وكذلك الحكومات المتعاقبة بعد 2011 جاءت بتعلة مقاومة الفساد بينما أصبحنا نرى أن الفساد بات بيروقراطيا ومنتشرا والخيارات الحكومية لا شعبية ولا وطنية وفيها مزيد من الارتهان لصناديق النقد الدولية وللقوى الاستعمارية. وأضاف محدثنا: «السيادة الوطنية في وضعية رديئة والسفراء الأجانب يرتعون في أنحاء البلاد دون حسيب. وهذا جعل الوضع الاجتماعي سيئا، وبرهنت الحكومات المتعاقبة أن ليس لديها الجرأة على الحد من هذه الظواهر السلبية، ورأيناهم كيف ينصاعون إلى شروط الجهات المانحة وممثلي أدوات الاستعمار الجديد».

ارتفاع سقف المطالب

وقال الناشط السياسي والأكاديمي الناصر الخشيني أن تونس تشهد منذ الثورة وليس في المدة الأخيرة فقط تصاعدا للاحتجاجات الاجتماعية التي تقودها النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل. حيث شهدنا، حسب الخشيني، احتجاجات للأطباء الشبان ولقطاع التعليم الثانوي ولقطاع النفط. ذلك أن الحكومة، وبالرغم من مرور سبع سنوات على الثورة والمسار الديمقراطي من انتخابات وتركيز الهيئات الدستورية، بقيت في واد بينما الإصلاحات الحقيقية والجوهرية في واد آخر.
فهذه الإصلاحات، في رأي محدثنا، بقيت متوقفة تماما بل تراجعت أوضاع التونسيين الاقتصادية والاجتماعية عما كانت عليه الحال قبل الثورة، حيث تدهورت قيمة الدينار المحلي ولم تتوقف عجلة الفساد والمحسوبية والرشوة وتفاقمت أعداد المعطلين عن العمل وغلت الأسعار وتدهورت القدرة الشرائية. وإضافة إلى ذلك فإن الحكومات المتعاقبة، لم تتجرأ على تغيير منوال التنمية الرأسمالي وبقيت كلها خاضعة لإملاءات صندوق النقد الدولي والإرادة الاستعمارية المتحكمة في المشهد السياسي والاقتصادي.
فمن الطبيعي، حسب الخشيني، أن لا تتمكن أي حكومة من إنهاء الإشكاليات وفضّها، لأن التونسيين لا يثقون في هكذا حكومات ضعيفة وغير قادرة على المساس بمنوال التنمية، فهي العقبة الكأداء في طريق الحل الحقيقي والجوهري الذي من شأنه الاستجابة لطلبات الجماهير الشعبية أثناء الثورة. ودون ذلك ستتواصل الاحتجاجات الاجتماعية وتواصل الحكومات التي ستتعاقب والتي أصبحت بمعدل حكومة في السنة، اللجوء إلى الحلول الترقيعية دون الحسم النهائي في الملفات العالقة، وتقبل النقابات تلبية البعض من مطالبها على أمل مواصلة النضال مستقبلا بحيث يصبح الحبل على الجرار دون توقف النضال من جهة النقابات والتسويف والحلول المؤقتة من الحكومة، إلى غاية الوصول للحل الأمثل وهو تغيير منوال التنمية وضبط الثروات الوطنية، وعدم التفريط فيها للأجنبي، والضرب بشدة على الفساد والمحسوبية والرشوة والتهريب والتهرب الضريبي لتجد الدولة موارد حقيقية كانت مهدورة تعالج بها الخلل الموجود في البلاد.
ويضيف: «بالنسبة لقطاع الطب، فان طلبة الطب والأطباء الداخليين والمقيمين أعلنوا الدخول في إضراب عام، على مدى ثلاثة أيام بدعوة من المنظمة التونسية للأطباء الشبان، على خلفية جملة من المطالب من بينها نشر النظام الأساسي الخاص بالطب في أجل لا يتجاوز الشهر. ويحصل ذلك في الوقت الذي يعتبر فيه الوزير عماد الحمامي من حركة النهضة أن الإضراب غير مبرر.
أما في التعليم الثانوي، فإن النقابات تطالب بحقوق يتمتع بها كل أو معظم المنتمين إلى القطاعات الأخرى ويحرم منها المدرّسون. وأهم مطلب لهم الآن، بقطع النظر عن امتيازاتهم التي حرموا منها، هو إصلاح المنظومة التربوية المتردّية وحماية المدرّسين من الاعتداءات اليومية والاهتمام بالبنية التحتية المتهالكة للمؤسّسات التربوية التي تسرق اعتماداتها بشكل واضح دون تدخل فاعل ومؤثّر من سلطة الإشراف. وفي المفاوضات لا تأتي وزارة الإشراف بمواقف جدّية، بل وصل بها الأمر إلى حدّ التهديد، علما أن وزير التربية هو آخر وزير تربية في عهد بن علي».
وفي مجال الفسفاط بالرغم من تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل لإنهاء الاعتصام الذي يعطل هذا المرفق، فان هناك أطرافا مستفيدة من الوضع المأزوم لا ترى حسب الناصر الخشيني مصلحة لها في حل الإشكال. وهكذا فان هناك أطرافا معروفة بالاسم والصفة ليس من صالحها إيجاد الحلول الحقيقية لتونس فهي تنتعش، في رأي محدثنا، من الفوضى.

سمة تونسية

أما النائب السابق في البرلمان التونسي والمختص في علم الاجتماع هشام الحاجي فيرى في حديثه لـ«القدس العربي» أن الأحداث التي يعيش على وقعها وايقاعها التونسيون في السنوات الأخيرة، هي محل متابعة وتزداد اتساعا من دوائر القرار ووسائل الإعلام الأجنبية في سياق الاهتمام بالاستثناء التونسي وفي سياق ما سمي منذ مطلع العشرية الحالية «الربيع العربي» الذي انطلق من تونس وتتواصل أفضل نسخه فيه. ويشير الاستمرار وما يرافقه حاليا من احتجاجات، وحسب محدثنا، إلى ما يمكن اعتباره سمة تونسية خاصة في المحيط العربي، وتتمثل في قوة نسيج المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته وانخراطه منذ سبعينيات القرن الماضي في الصراع السياسي حول السيطرة على السلطة وإدارتها.
وقد اتخذ هذا الانخراط، حسب الحاجي، مستويين وهما المستوى الظاهر والمتمثل في الشعارات والتحركات التي يتابعها الرأي العام بما يتاح من إمكانية النفاذ للمعلومة، والمستوى الخفي إلى حد ما والمتمثل في لعبة الكواليس بما فيها من دعم لهذا الطرف السياسي وإضعاف لذاك. وقد تمكن النظام خلال الفترة الممتدة من 1987 إلى 2011 وحسب محدثنا، من التحكم في الحركة الاحتجاجية والمطلبية إلى الحد الذي كاد يغيبها بشكل نهائي بعد أن سيجت جهات من الدولة العمل المدني بآليات قانونية وأمنية ضاغطة وبعد أن استطاعت أن تضمن إلى حدود سنة 2008 توزيعا مقبولا إلى حد ما للثروات.
ويضيف الحاجي قائلا: «ومما لا يمكن التغاضي عنه أن التحركات الاحتجاجية التي جرت في ابتعاد نسبي عن المنظمات المعروفة للمجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، هي التي لعبت دورا حاسما في الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وهو ما انعكس في تمتع الحراك الاجتماعي بسلطة أعطته سطوة لافتة خاصة بعد أن أضعفت آليات الربيع التونسي، صورة الدولة وأيضا قدرتها على إدارة الصراع الاجتماعي والتحكم فيه، بل انقلبت أسس العلاقة بين الطرفين وأضحى الفاعل الأساسي هو التحرك المطلبي، بل ان المشرفين على هياكل الدولة قد سايروا إلى أكبر حد المطلبية وبرروها في سياق البحث عن شرعية يعوضون بها شرعية النظام الذي أطيح به لأنه لم يكن يستجيب حسب رأيهم إلى تطلعات الشعب».
ويضيف: «وفي اعتقادي أن النخب السياسية التي تولت قيادة مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011 تتحمل مسؤولية هيمنة الحراك الاحتجاجي لأنها سايرته وبررته واستجابت له بلا حساب إلى أن أصبح الاقتصاد على وشك الانهيار. بل إنّ توجه بعض الأطراف السياسية إلى البحث عن التعويض المادي لنضالاتها يمثل التأكيد على أنّ المنطق المطلبي قد هيمن على الجميع وأدى إلى شعور متنام بان كل من يريد نيل «حق» عليه أن يقوم بذلك دون إبطاء، وهو ما أدخل الجميع في منطق «الآن وهنا» الذي ينفي كل تفكير في المستقبل من ناحية، وينمي الهويات القطاعية والجهوية والمحلية والمناطقية من ناحية أخرى.
ولعل ما ساهم في تنامي النزعة المطلبية ومنحها قوة أكبر، هو عدم خضوع الدولة ومؤسساتها ومواردها إلى عملية تشخيص وتدقيق موضوعية وشفافة وهو ما جعل الحكومات التي ترفض عند انطلاق تحرك اجتماعي الاستجابة لما يرفعه من مطالب من خلال التذرع بشح الموارد وندرتها، وتستجيب الدولة لاحقا إذا ما اقترن الاحتجاج بأعمال يجرمها القانون كقطع الطريق وتجد رغم ذلك لدى النخب السياسية والثقافية من يدعمها ويساندها.
ويعتبر الحاجي أن ما تكشفه التحركات الاحتجاجية في هذا الصدد هو أن تونس تعيش أزمة مجتمعية حادّة من أهم ملامحها تنامي العنف وتزايد البحث عن الخلاص الفردي أو الفئوي وتراجع ثقافة العمل والنظر للمرحلة على أنّها مرحلة هيمنة الغنيمة والإغارة على الموارد، وهو ما تعبر عنه لفظة «الغورة» التي تهيمن على التداول اللغوي في تونس والتي تمثل اشتقاقا من فعل «أغار». وهذه الأزمة المجتمعية تعود أساسا، وحسب الحاجي، إلى فقدان مشروع مجتمعي يحرك التونسيين ويمنحهم حلما جماعيا يخفّف من حدّة الإحباط ويحدّ من العنف الذي ما انفك يتزايد ويعيد ترتيب الأمور بما يجعل تطبيق القانون لا يؤدّي إلى التعسف ويرتقي بممارسة الحرية بما يقيها من أن تكون مدخلا للفوضى والانفلات.
ويرى محدثنا أنه طالما لم تتبلور ملامح مشروع مجتمعي تلتقي حوله أغلب فئات الشعب التونسي، ولم يقع التخلي عن فكرة «ابتزاز» الدولة، وطالما لم يتم التخلّص أيضا من منطق الترضيات الهشّ، فإن التحركات الاجتماعية والاحتجاجية ستتواصل. وقد تحتدّ في رأيه، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة لا تؤمن كثيرا بمنطق استمرارية الدولة وتتراجع عن اتفاقيات أمضتها سابقاتها.

————————————————————————————————–

*روعة قاسم

 

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.