الرئيسية | تحاليل سياسية | حافظ قائد السبسي متشبّث بإقالة يوسف الشّاهد.. وأزمة نداء تونس تتعقّد.

حافظ قائد السبسي متشبّث بإقالة يوسف الشّاهد.. وأزمة نداء تونس تتعقّد.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ حافظ قائد السبسي متشبّث بإقالة يوسف الشّاهد.. وأزمة نداء تونس تتعقّد.

 لا تُنذر الساعات القليلة القادمة أن اجتماع الاثنين بين الأحزاب والمنظمات التونسية المنخرطة في الوثيقة الجديدة لأولويات الحكومة أو ما يُعرف بـ”اتفاق قرطاج 2″ بأن توافقا ما قد يحصل بشأن بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد في منصبه أو رحيله.

وفي وقت انتظر فيه الجميع أن يحسم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الجمعة المسألة بإعلان تصوّره الشخصي إمّا بالإبقاء على الشاهد أو التخلي عنه، نأى بنفسه عن كل التجاذبات.

وعلى الرغم من أن ملامح المُعادلة تكاد تكون اكتملت بصفة نهائية ببقاء يوسف الشاهد مسنودا فقط من قبل حركة النهضة الإسلامية، باعتبار أن أهم الأطراف الوازنة كاتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل وحزب نداء تونس تشبّثوا بوجوب رحيل الشاهد وحكومته، فإنّ النقطة الأهم التي تتطلّب غوصا معمّقا في أسبابها ومسبّباتها تتعلّق حتما بخلفيات وحيثيات الصراع الذي بات مُعلنا بين قياديَي الحزب الحاكم حافظ قائد السبسي ويوسف الشاهد.

يتطلّب فهم حرب كسر العظام أو الأجنحة بين المدير التنفيذي لحزب نداء تونس ويوسف الشاهد وجوبا الوقوف عند كل النقاط الخلافية التي رافقت علاقة الرجلين منذ تولي الشاهد رئاسة الحكومة في أواسط العام 2016.

المتابع لحيثيات المعركة يتهيّأ له أن المسألة تتلخّص في كون نداء تونس وكما أعلن ذلك حافظ قائد السبسي سحب البساط من تحت أقدام يوسف الشاهد لضعف أدائه وفشل حكومته في إدارة الملفات الحارقة خاصة منها الاقتصادية والاجتماعية.

ويدعّم هذا التصور المنجي الحرباوي، القيادي بنداء تونس والنائب بالبرلمان، بقوله: “لا لشخصنة المسألة أو حصرها في مربّع معركة شخصية بين حافظ قائد السبسي ويوسف الشاهد”.

ويضيف الحرباوي “لا وجود لأي خصومة شخصية بين رئيس الحكومة وأيّ قيادي بحزب نداء تونس، فتقييم الأداء فرض على الحزب التفكير بوجوب وجود مخارج على رأسها تغيير رئيس الحكومة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان إلى غاية عام 2019”. وأكّد أنّ حزب نداء تونس سيلتزم في النهاية بكل مُخرجات وثيقة قرطاج 2.

تشبّث المدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قائد السبسي بإقالة يوسف الشّاهد يؤدّي إلى عودة الحديث عن صراع الأجنحة والشقوق صلب الحزب الحاكم ممّا قد ينذر بمزيد تعقّد أزمته
 

إلى حدّ هنا، تبدو المسألة عادية ومتعلّقة بخيارات سياسية لحزب حاكم أملتها عليه نتائج واقعية لفشل الحكومة الحالية في إدارة الحكم، لكن النبش في أصل الحكاية يُثبت عكس ذلك ليتأكّد أن مردّ الصراع الثنائي بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي هو نتاج لتراكمات عميقة ليست وليدة اليوم.

يوسف الشاهد، وفق جلّ الملاحظين لم يكن قبل 2016 معروفا في عالم السياسة، بل زُجّ به في فترة عرف فيها حزب نداء تونس انقسامات. وكما لحافظ قائد السبسي الفضل رفقة قيادات أخرى كمدير الديوان الرئاسي سليم العزابي، في صُنع اسم الشاهد، فإن لرئيس الحكومة الحالي أيضا نصيب كبير في تعبيد الطريق وفق الملاحظين لتربّع نجل الرئيس على قيادة حزب نداء تونس .

علاقة الودّ بين الطرفين سرعان ما تحوّلت إلى شبه قطيعة بينهما غداة تشكيل يوسف الشاهد لحكومته الأولى ممّا أدّى إلى امتعاض حافظ قائد السبسي وفق تصريحه في تسريب لاجتماع الهيئة السياسية للحزب عام 2016 من العديد من أسماء الوزراء وفي مقدّمتهم الناطق الرسمي للحكومة إياد الدهماني ووزير الفلاحة سمير الطيّب ووزير الوظيفة العمومية المُقال عبيد البريكي.

وأدّت محاولة يوسف الشاهد الاستقلال بقراراته الحكومية إلى اتهامه من قبل المدير التنفيذي للحزب بالتمرّد على نداء تونس وعدم الانضباط لمقرّراته.

هذه الرواية الأخيرة، أكدّها وفق ما أفادت به مصادر مطلعة حافظ قائد السبسي في اجتماع رؤساء الأحزاب والمنظمات بقصر قرطاج عبر اتهامه مجدّدا رئيس الحكومة بتوظيف أجهزة الحكم ومستشاريه وبعض وسائل الإعلام المحلية لتشويه حزب نداء تونس لخدمة غايات وأجندات انتخابية سابقة لأوانها وغير مشروعة.

وتُرجع العديد من القراءات السياسية الأخرى توتر العلاقة بين الرجلين إلى الأزمة الداخلية التي عصفت بحزب نداء تونس خاصة بعد قدوم العشرات من القيادات الجديدة أو ما يسمى بـ”المنتدبين الجدد” الذين حاولوا الضغط على يوسف الشاهد باقتراح اسمه في الأشهر الأولى لتوليه الحكم في قصر القصبة لقيادة الحزب لإدراكهم بوجود مخطّط يُحبك على مهل قد يفضي إلى توجيه رئيس الحكومة الحالي بوصلته لطموحاته الشخصية والحلم بالانتخابات الرئاسية 2019 بعد أن حقّق رصيدا شعبيا في فترة وجيزة.

أدّت هذه الخطوة الأخيرة إلى معركة ليّ ذراع قوية بين الشاهد ونجل الرئيس تجلّت خصوصا في ملف التعيينات والتسميات في مفاصل الدولة، فرغم نيل الحزب الحاكم النصيب الأوفر من التعيينات إلاّ أن المدير التنفيذي للحزب الحاكم سبق له أن أكّد أن يوسف الشاهد أدار ظهره لحزبه الأم.

الشاهد اتهم بالتمرد على حزبه لمحاولته الاستقلال بقراراته الحكومية
الشاهد اتهم بالتمرد على حزبه لمحاولته الاستقلال بقراراته الحكومية

منعرج الحرب على الفساد

كل هذه المعارك الخفية لم تكن لتظهر للعلن إلى أن تجرّأ يوسف الشاهد عام 2017، في وقت انتظر الجميع رحيله بسبب تفاقم التحركات الاحتجاجية ضدّه وضد حكومته، على إعلان ما أسماه بالحرب على الفساد لتأخذ العلاقة بينه وبين حزبه منعرجا آخر زاد في تعميق الهوّة بينهما.

في معركة الحرب على الفساد يعتبر مراقبون أن حزب نداء تونس ولئن لم يعلن تذمّره من الخطوة التي اتخذها الشاهد إلا أنه بدا غير راض عنها مثله مثل حركة النهضة باعتبار أن بعض قيادات الحزب أو نوابه قد تم ذكر أسمائهم في بعض الملفات الخطيرة التي يبقى على رأسها قضية رجل الأعمال المثير للجدل شفيق جرّاية.

ويقول محمّد عبو، رئيس حزب التيار الديمقراطي، “إنّ إعلان يوسف الشاهد الدخول في مرحلة الحرب على الفساد كان بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير باعتبار أنها كانت في مرحلة أولى سياسية وانتقائية” وأضرّت وفق تعبيره في مرحلة ثانية بمصالح حزبَي الحكم.

وأكّد عبو أن حزب نداء تونس مثله مثل حركة النهضة يتخوف كثيرا من مآلات ونتائج حرب يوسف الشاهد على الفساد وما قد تجر معها من خيبات وصفعات قد تكشف كواليس أباطرة الفساد.

ويرجع العديد من المتابعين، عمق الأزمة بين يوسف الشاهد وحزبه الأم إلى إقدام رئيس الحكومة على إحاطة نفسه بشخصيات سياسية ونواب  منهم من هو في كتلة نداء تونس وكل نواب الكتلة الوطنية (نواب منشقين عن نداء تونس) المحسوبة عليه عقب فقدانه لأي سند سياسي من المنظمات والأحزاب الموقعة على وثيقة قرطاج الأولى خصوصا عقب تحول اتحاد الشغل من أكبر داعم له إلى أكبر معارض منذ مطلع عام 2018.

صراع يهدّد وحدة الحزب الحاكم

أدى تشبث المدير التنفيذي لحزب نداء تونس بإقالته إلى عودة الحديث عن صراع الأجنحة والشقوق صلب الحزب الحاكم مما قد ينذر بمزيد تعقّد أزمته في كلتا الحالتين إن تم التخلي عن الشاهد أو بالإبقاء عليه إلى غاية 2019.

إقدام الشّاهد على إحاطة نفسه بشخصيات سياسية ونوّاب منهم من هو في كتلة نداء تونس وكلّ نواب الكتلة الوطنية عمّق الأزمة بينه وبين حزبه الأم

بشأن هذه الأزمة المرتقبة، ذهب العديد من الملاحظين إلى التأكيد بأن تجنّب الرئيس الباجي قائد السبسي عدم الإفصاح عن موقفه الرسمي بخصوص مستقبل الشاهد متأت بالأساس من إدراكه القطعي بوجود خلافات عميقة صلب حزب نداء تونس حول هذه المسألة وهو ما يمهّد لمزيد انهياره عقب تلقّيه صفعة الهزيمة الأخيرة في أول انتخابات محلية بالبلاد منذ ثورة يناير 2011.

ولئن يمثّل حافظ قائد السبسي من الناحية القانونية الممثل الوحيد والناطق الرسمي بمواقف نداء تونس، فإن بعض القيادات الحزبية أو النواب ظهروا بمواقف مغايرة تماما لقيادة النداء بإعلانهم مساندة بقاء يوسف الشاهد كرئيس للحكومة.

وفي ردّ على تطورات مفاوضات قصر قرطاج، أكدت فاطمة المسدي، النائبة بنداء تونس، أن رئيس الحكومة أصبح بمثابة كرة تتقاذفها الأرجل، مشدّدة على أن كل شيء يوحي أنه في حال تمت إقالة الشاهد أو الإبقاء عليه بتشبّث من حركة النهضة فإنّ شيئا لن يتغيّر على رأس قيادة حزب نداء تونس.

وأضافت “قد يُصبح حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للنداء مرشّحا للنهضة في الانتخابات الرئاسية بما يحول دون فكّ الارتباط والتحالف بين الحزبين الذي قد يتواصل لسنوات طويلة”.

ويحذّر مراقبون من كون هذه الخلافات التي تشقّ مجدّدا الحزب قد تلقي بظلالها أيضا في المرحلة القادمة على ضوء نتائج مفاوضات قصر قرطاج خاصّة لدى تصويت الكتل البرلمانية على منح الثقة للشّاهد من عدمه أو لدى التصويت في جلسة منح الثقة لرئيس الحكومة الجديد إن تمّ التوافق على ذلك في ظلّ عدم وجود موقف موحّد صلب الحزب الحاكم.

_________________________________________________________________________

*وسام حمدي | وسام حمدي.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.