الرئيسية | تحاليل سياسية | تونس ومقاطعة قطر..بين «الحياد الإيجابى» و التحرّك فوق حقل ألغام. |بقلم: كارم يحيى.

تونس ومقاطعة قطر..بين «الحياد الإيجابى» و التحرّك فوق حقل ألغام. |بقلم: كارم يحيى.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس ومقاطعة قطر..بين «الحياد الإيجابى» و التحرّك فوق حقل ألغام. |بقلم: كارم يحيى*.

منذ قرار مصر والسعودية والإمارات والبحرين مقاطعة قطر تحاذر تونس السقوط في حقل الغام يقول المواطنون العاديون أنّهم «لا ناقة ولا جمل» به.

وفوق أعماق حافلة بالصراعات الحزبية والسياسية الداخلية التي تمتد خيوطها إلى محورين أحدهما يرتبط بقطر والآخر بالسعودية والإمارات تتمسك الدبلوماسية والسياسة الرسمية لتونس بمصطلح سحري يتكون من كلمتين إثنتين هما « الحياد الإيجابي».

وهو مصطلح يظهر في البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الخارجية التونسية. و أيضا علي صفحات الصحف. وخلف هذا «الحياد « ثلاثة مبررات : الأول تاريخي يتعلق بميراث البورقيبية في السياسة الاقليمية والخارجية حيث يجري استدعاء حرص الرئيس المؤسّس لدولة الاستقلال ( الحبيب بورقيبة ) النأي ببلده عن الخلافات العربية منذ الخمسينيات، وعدم الزج بتونس ـ إلى أتون هذه الصراعات وتكليفها عواقب هكذا انحيازات. ولعل أقرب نموذج علي هذا اللون من الحياد هو مواقف تونس من خلاف الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب. ومع أن تونس لا تعترف بالجمهورية الصحراوية فإنّها تحتفظ بعلاقات أكثر من ممتازة مع الجزائر علي كافة الأصعدة. وليس أدل علي تمسك السياسة الرسمية التونسية بحسابات حياد دقيقة في صراع الصحراء ما نشرته صحف موثوقة رصينة بتونس كـ «المغرب» عن رفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد خلال زيارته الرباط التوقيع علي البيان المشترك للجنة الكبري بين البلدين إلا بعد حذف جملة تعبر عن التأييد للموقف المغربي من الصحراء الغربية (وحدة الأراضي المغربية ).

والمبرّر الثاني يتعلّق باعتبارات إقتصادية راهنة وضاغطة. فتونس في مسيس الحاجة إلى كلّ مساعدة إقليمية دولية لبناء اقتصاد ما بعد الثورة، سواء أكانت على هيئة هبات أو قروض أو استثمارات. وتبرز في هذا السياق كلّ من قطر والسعودية كداعمين مهمّين للاقتصاد التونسي في هذه المرحلة. صحيح أنّ التمثيل الرسمي القطري كان أرفع من السعودي في افتتاح مؤتمر تونس 2020 للاستثمار الدولي نوفمبر الماضي، إلّا انّ السعودية بدورها لم تبخل بصناديقها المالية وبدورها علي صعيد المؤسّسات الاقتصادية الدولية في دعم الاقتصاد التونسي.

أما المبرّر الثالث، فينهض علي توازنات السياسة الحزبية داخل تونس ذاتها. وثمة في الإئتلاف الحاكم من يحتفظ بعلاقات أوثق مع السعودية والإمارات وهناك من لديه العلاقات الأوثق مع قطر. ولعلّ معجزة التوازن في السياسة الداخلية لتونس بعيد انتخابات خريف 2014 وإلى الآن هي استمرار التوافق بين هؤلاء وأولئك علي الرغم من سخونة الأجواء الإقليمية وحِدَّة الاستقطاب بها. وفي الأيام الأولي بدا أنّ هذا التوازن والتوافق بين أحزاب الحكم عرضة لأضرار لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. فانخرطت رموز ووسائل إعلام ـ في تبادل الاتهامات بتأثير المال من هنا وهناك. وعرفت وسائل إعلام نهضوية ومناهضة للنهضة نشر ما قيل بأنّه وثائق عن تدخّلات ومخطّطات من دول خليجية في الشؤون الداخلية لتونس. إلّا أنّ قيادة الحزبين الرئيسيين علي نحو خاص سارعتا إلى الاجتماع للحيلولة دون أن تنعكس الأزمة في الخليج علي الداخل التونسي. وتوصّل الحزبان إلى تشكيل لجنة تنسيق عليا بينهما سواء داخل البرلمان وخارجه. وبالفعل يمكن القول بأنّ الحملات المتبادلة علي خلفية الأزمة الخليجية قد هدأت نسبيا وأمكن احتواؤها إلى حينه. لكن يبقي لكرة الثلج التي تحرّكت قبل إيقافها بعض ذيول. فتصريحات أحمد المسماري المتحدّث باسم الجيش اللّيبي بقيادة خليفة حفتر عن دور المال القطري عبر تونس في بلاده هي الآن محلّ تحقيقات أمام القضاء التونسي. كما أنّ الخيوط أصبحت تمتدّ لتشتبك بالأزمة المتفاعلة بالأصل داخل الكتلة البرلمانية لحزب نداء تونس بخلفية العلاقة برجل أعمال نافذ محبوس في الحملة ضدّ الفساد وبتهم تشمل الإضرار بأمن تونس.

الموقف الرسمي والدبلوماسي للدولة التونسية يتحدّد على لسان الرئيس الباجي قايد السبسي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي في الالتزام الصارم بلغة «الحياد» والانتقال إلى مصطلح «الحياد الإيجابي» بإطلاق التمنيات بسرعة تجاوز الأزمة الخليجية والمناداة بتجاوز الخلافات العربية سريعا. وفي كلّ الأحوال فإنّ تونس الدولة ـ مع أنّها لم تعلن عن مبادرة وساطة ـ تؤكد مرة تلو أخري التزامها الحياد بل «الحياد الإيجابي» بصيغة تمنّي حلّ الخلافات وتجاوز الأزمة.

—————————————————————————————-

* مراسل صحيفة الاهرام بتونس

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.