الرئيسية | تحاليل سياسية | تونس.. الانتخابات المحلية تربك رهان النهضة على التوافق. |بقلم: مختار الدبابي.

تونس.. الانتخابات المحلية تربك رهان النهضة على التوافق. |بقلم: مختار الدبابي.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس.. الانتخابات المحلية تربك رهان النهضة على التوافق. |بقلم: مختار الدبابي*.

إذا تأجلت الانتخابات المحلية أو لم تتأجل ستفوز النهضة بنصيب مهم من البلديات، وهو ما يعني أن الزعم بأن سبب الدعوات لتأخير موعد هذه الانتخابات هو الخوف من هيمنة النهضة عليها غير دقيق، وربما يمثل جزءا صغيرا من قمة جبل الجليد الذي تخشاه الحركة في ضوء رسائل متعددة عن أن مرحلة التوافق تسير إلى نهايتها، وآخر تلك الرسائل تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي أقر بأن تحالفه مع النهضة كان خطأ، وأنه فشل في “تمدينها”.

لو جرت الانتخابات في موعدها المحدد، أي 17 ديسمبر القادم، وفازت القوائم التي تدعمها النهضة، فماذا سيتغير في ظل الفوضى التي يعيشها المشهد السياسي، والتي تسببت فيها سياسة التوافق التي تتبناها النهضة وتتمسك بها. ولم تنتج هذه السياسة غير الإرباك، وتأجيل الحسم في مختلف القضايا التي تهم الناس بما في ذلك التفاصيل الصغيرة.

ربما تريد النهضة، أو مجموعات الضغط المهيمنة داخلها، أن تُجرى الانتخابات ويتم الإعلان عن فوز الحزب للرد على من يقول إن الجماعة تراجعت شعبيتها وخبا بريقها، أي أن الأمر لا يتجاوز الرغبة في رد الاعتبار وترميم المعنويات، وليس تعميق الديمقراطية والنزول بها إلى المؤسسات الصغرى، مثلما دأب رئيس الحركة راشد الغنوشي على التصريح بذلك.

وتقول تقارير وشهادات مختلفة أن الحركة فتحت قوائمها في المناطق الداخلية أمام من هب ودب، من المستقلين والمتسلقين، ليكونوا أعضاء ورؤساء قوائم، وأنها تستقطب بشكل ممنهج من عملوا في التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، حزب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وأنها تلعب ورقة العروش (العشائر)، ما يعني أن من سيفوز في النهاية ليس النهضة ولكن من دخل خيمتها لتحقيق أهدافه الخاصة.

ومن الطبيعي أن المجالس المحلية (البلدية أو الجهوية) التي سيتم انتخابها ستكون ساحة للصراع بشأن المزايا، والأحقية في المشاريع بين العشائر المختلفة، وأنها ستفتح الباب أمام الفساد المحلي لتجديد دمائه، وهو الذي انكمش بعد 14 يناير 2011 بسبب الخوف من إجراءات ثورية محتملة، أو صعود بدائل جديدة، فضلا عن فقدان السند المركزي الذي تهاوى بدوره بسبب سقوط رأس المنظومة القديمة.

وبالنتيجة، فإن النهضة، التي يبدو أن ما يهمها فقط هـو استمرار التجربة الديمقراطية بمظهرها الشكلي الانتخابي وثبات خيار التوافق الذي يجنبها شبح السيناريو المصري، ستساعد بوعي أو دونه في تجذير الفساد المركزي (الذي تستظل بظله في شكل مناورة أو تحالف) على المستوى المحلي.

وعادة لا يمكن التغاضي في اتخاذ أي موقف سياسي سليم عن حجج الخصوم، لكن الأمر يختلف لدى النهضة التي ترد على دعوات تأجيل الانتخابات بأنها مناورة تقف وراءها جهات خارجية، وهو ما صرح به رئيس كتلة النهضة في البرلمان، والقيادي المثير للجدل نورالدين البحيري.

وقال البحيري في تصريح صحافي “من المؤكد بخصوص الدعوة لتأجيل الانتخابات البلدية وجود أطراف خارجية لإحداث البلبلة في البلاد مثلما وقع في سوريا وليبيا واليمن”.

وربما يتطور الإحساس بالاستهداف لدى الفريق القيادي في الحركة إلى اتهام الرئيس التونسي نفسه بأنه جزء من هذه المؤامرة إذا لم يبادر قبل السابع عشر من الشهر الحالي بالدعوة إلى انتخابات محلية مثلما يشترط القانون.

وكان السبسي رمى بالكرة إلى البرلمان حين اشترط استكمال تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي لا تزال دون رئيس وعضوين آخرين استقالوا بسبب خلافات داخلية. كما حث على الانتهاء من إعداد مجلة الجماعات المحلية قبل التوقيع على المرسوم المتعلق بدعوة الناخبين، والذي يفترض أن يتم ثلاثة أشهر قبل موعد الانتخابات.

ويقول خصوم النهضة إن الحركة، التي تقول دائما إنها براغماتية ومستعدة للتنازل دائما إذا استدعت الحاجة، لم تغادر بعد دائرة التوهم بأنها اللاعب رقم واحد في المشهد خاصة في ضوء انشقاقات نداء تونس. وهو أمر يدفعها إلى عزلة سياسية زادت حدة بعد ارتفاع منسوب الخلاف مع حليفها القديم المنصف المرزوقي الذي عمل على تبييض فترة رئاسته باتهام قيادات النهضة ووزرائها باحتكار القرار، وأن دوره في الرئاسة كان صوريا.

وفي أول اختبار جدي وجد اللاعب رقم واحد نفسه في وضع معقد بعد أن فرض رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ومن ورائه الرئيس التونسي، على النهضة أن تقبل بتركيبة وزارية جديدة لا تخفي الحركة غضبها من بعض رموزها مثل وزير الداخلية لطفي إبراهم.

ولم ينجح رئيس الحركة الذي دأب على حضور مختلف الجلسات الخاصة بالتعديل الوزاري في منع اقتراب محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، مجددا من نداء تونس ومـن السبسي شخصيا. ويقول أنصار النهضة إن أهم ما حققه التوافق أنه دق الإسفين بين السبسي ومرزوق الذي يتهمونه بالولاءات الخارجية، وأنه أحد مهندسي الثورة المضادة لبقاء النهضة في الحكم.

وتضم التركيبة الحكومية التي تنتظر تزكية البرلمان اسمين محسوبين على حزب مرزوق هما سارة رجب كاتبة دولة للنقل وسنية بالشيخ كاتبة دولة لدى وزير الصحة، ويمكن أن تربك هذه المشاركة حسابات النهضة، خاصة أن مرزوق يتزعم حملة تأجيل الانتخابات المحلية، وهو من يقف وراء التحالف الحزبي الذي دعا بداية الأسبوع إلى التأجيل، معتبرا أن الظروف الموضوعية لا تسمح بإجراء الانتخابات.

ويمكن اعتبار عودة مرزوق إلى دائرة السبسي، بعد أن ابتعد عن دوره كمستشار للرئيس وكأحد أبرز مهندسي تكوين نداء تونس كجبهة ليبرالية ومدنية أوسع في مواجهـة النهضة، فضـلا عن جلب اليسار إلى جبهة الإنقـاذ الأولى، رسالة قوية للنهضة بأن مرحلة التوافق لم تعد ثابتة، وأن الـرئاسة التونسية بـدأت تعيد حساباتها في “تمدين” الحركة مثلما جاء في حوار الباجي قائد السبسي لجريدة “الصحافة” التونسية.

وأيا كانت حسابات الباجي، فما يخيف إسلاميي تونس أنها تقاطعت فعليا مع مزاج إقليمي ودولي بدأ ينظر إلى الإسلام السياسي ككتلة شاملة وليس كأحزاب معزولة وتجارب محلية، أي أن التنازلات التي قدمتها النهضة لإقناع الخارج بأنها حركة ليبرالية وليست تيارا دينيا قد تذهب أدراج الرياح.

ومخاوف الإسلاميين العرب جدية هذه المرة، فعدوهم ليس نظام حكم محلي، أو تكتلا إقليميا، إنما هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتزعم بحماسة الحرب على “الإسلام المتشدد”، والذي لا يؤمن بإمكانية مشاغلة الإسلاميين هنا، واستقطابهم وتوظيفهم هناك، وأن الوجوه لديه متشابهة ولا تختلف في التصنيف عن داعش والقاعدة والإخوان.

والتساؤل المهم، هنا، ماذا يبقى للإسلاميين في تونس إذا سقط خيار التوافق؟ وهل يمكن أن يستمروا في التسـويق لخيار المدنية والاعتدال والتبرؤ من تطبيق الشريعة ومن الهوية الإخوانية، أم أن رفع غطاء التوافق سيعيدهم إلى مرحلة المواجهة مع بن علي و“تحرير المبادرة” والمسارعة بتوفير “شروط الاستعصاء”؟.

———————————————————————————————-

*إعلامي تونسي.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.