الرئيسية | تحاليل إجتماعية | العائلة التّونسية محرار حقيقي للشأن التّربوي.

العائلة التّونسية محرار حقيقي للشأن التّربوي.

تحاليل _ تحاليل اجتماعية _ العائلة التّونسية محرار حقيقي للشأن التّربوي.

طفا على السطح هذه الأيام في تونس نقاش حادّ حول موضوع الصراع الذي شبّ بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي، اشتدّت وطأته خاصة على صفحات وسائط التواصل الاجتماعي، واستعملت فيه كل اللغات وكل اللهجات واستبيحت فيه كل الوسائل بقطع النظر عن أخلاقيتها من عدمها، ودقّ باب كل عائلة وكل أسرة وكل مقهى وكل البرامج الإعلامية الحوارية في التلفزيون أو الراديو.

بشيء من اختزال المشهد، مثّل الموضوع فضاء حقيقيا للحوار باختلاف نسب حدّته وطرقه وموضوعيته، بين جميع الأفراد وجميع الشرائح الاجتماعية في كل الفضاءات الأسرية والاجتماعية على اختلافها، وهذا دليل قاطع على أهمية الموضوع.

بالعودة إلى أصل الخلاف تقدّمت نقابة التعليم الثانوي بجملة من المطالب كانت نتيجة حتمية لتدهور المقدرة الشرائية للمربي جرّاء بعض الإجراءات التي نفذتها الحكومة من خلال مشروعها لمالية 2018 ومن خلال اعتزامها الترفيع في سن التقاعد، ودون الولوج إلى التفاصيل اشتدّ الصراع بين الطرفين فاتخذت الجامعة العامة للتعليم إجراء تمثل في مدّ التلاميذ بأعدادهم في الأقسام وحجبها عن إدارات المؤسسات التربوية. وتمسك الطرف النقابي وكذلك الطرف الوزاري بموقفيهما، وهذا ما فسح المجال ليكون الموضوع محور اهتمام جماعي شامل.

ما يهمنا في الموضوع علاقته بالجوّ الاجتماعي العام وخاصّة داخل الفضاءات الأسرية التي تأثرت سلبا جرّاء هذا الصراع المتنامي، لأنه نادرا ما نجد أسرة لا تحتكم على تلميذ أو أكثر من بين أفرادها، وحتى المربون أنفسهم آباء وأمهات لتلاميذ بمختلف المراحل التعليمية، هذا من ناحية، ثمّ لحساسية موضوع التعليم وعلاقته بمستقبل الأطفال والتلاميذ من ناحية ثانية.

تقييم الوضع من الناحية النقابية والقانونية ومن ناحية علاقة وزارة التربية بمنظوريها، تختلف فيه الآراء والمواقف التي تحدّدها المسافة الفاصلة بين مصادرها وبين التوجهات النقابية أو السلطوية. أما ما يهمّ ارتدادات الصراع وتأثيراته على الأفراد والعائلات، فقد قسّم هذه المواقف إلى ثلاثة؛ أولها يتمثل في الرؤية الداعمة لتحركات المربين والمساندة لها من منطلق التكوين النقابي أو القرب من هذه الشريحة وفهم معاناتها اليومية في فضاءات تعليمية مهترئة وفي غياب الدعم المالي الذي يسند مستلزمات العملية التربوية والتعليمية، أو النخبة المثقفة والتي تتبنى أفكارا تستند إلى أن أي تطور اجتماعي واقتصادي وحضاري لا يمكن أن يحدث دون إيلاء المدرسة، فضاء ومربين وتلاميذ وإدارة، المكانة والمنزلة اللتين تستحقهما، والتجارب العالمية تبرّر هذا التوجه.

أما ثاني هذه المواقف فهو المعارض للتحركات والاحتجاجات معارضة مطلقة، ويستند أصحاب هذا الموقف إلى أن التلاميذ حشروا في الصراع بين الجامعة العامة للتعليم الثانوي وبين وزارة التربية، وكل يبرر ذلك وفق مرجعية معينة، لعل البعض منها يستند إلى مواقف سياسية داعمة لأحزاب الحزام الحكومي، أو أن أصحابها لا يعرفون فعلا المعاناة داخل فصول الدراسة، أو أن مواقف هؤلاء انبثقت من زاوية رؤية ضيقة لم تر في الموضوع إلا الارتدادات على التلاميذ.

وأخيرا هناك موقف ثالث يبدو أنه أكثر عقلانية إذ يدعو الطرفين معا إلى تحكيم منطق التعقل والحوار البناء مع الاعتراف بمشقة مهنة التعليم وضرورة تحسين الوضع العام في المؤسسات التربوية.

واختلاف المواقف الذي يصل إلى حدّ تناقضها يعكس بالضرورة-دون تقييم لهذه المواقف لأنها تلزم أصحابها وليست هناك من فائدة في تحديد صحتها أو خطئها أو منطقيتها- مدى أهمية قطاع التربية في تونس ومدى تفاعل الأسر التونسية معه، بما أنه يمسّ التلاميذ على اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية والثقافية وعلى اختلاف وضعيات عائلاتهم المادية.

فهناك من ينظر إلى المسألة من زاوية مبدئية وهي ضرورة تحسين الوضع التعليمي في البلاد بما فيه تحسين ظروف عمل المربي واعتبار مهنة التعليم من المهن الشاقة وذلك باعتراف عالمي لا مجال للشك فيه.

وهناك من الأسر من تنظر إلى الموضوع من زاوية تضحياتها المادية في سبيل أبنائها. أما البعض الآخر فيقيّم الموضوع تقييما سياسيا وربما أيديولوجيا وبذلك ينحاز إلى طرف بعينه.

وقد يكون الخوف من سيناريو سنة بيضاء من أهم الدوافع للاهتمام بالموضوع والمشاركة في الجدال القائم حوله وهذا لا يحجب القلق الذي تتزايد وتتصاعد حدّته مع تصاعد الصراع والتلويح علنا بالتهديد والوعيد والتصعيد. ورغم تدخل المركزية النقابية ممثلة في الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إلا أن الحل لا يزال يراوح مكانه.

الحقيقة الموضوعية التي يتفق حولها الجميع أنه رغم اختلاف المواقف والتقييمات للوضع فإن موضوع التعليم لا يحتمل المزايدة السياسية ولا يمكن أن يكون من بين مزادات المناسبات الانتخابية ولا الائتلافات الحكومية، فهو مرفق عام إذا صلح صلحت جميع مجالات الحياة المجتمعية وإذا فسد فسدت جميعها ويا خيبة المسعى.

———————————————————————————————

*عبد الستار الخديمي | كاتب تونسي.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.