الرئيسية | تحاليل سياسية | الدّيمقراطية ليست طوابيرَ النّاخبين.. الدّيمقراطية مناخٌ اجتماعي.

الدّيمقراطية ليست طوابيرَ النّاخبين.. الدّيمقراطية مناخٌ اجتماعي.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ الدّيمقراطية ليست طوابيرَ النّاخبين.. الدّيمقراطية مناخٌ اجتماعي.

الرؤية العامة والأحداث الكبرى التي دعمتها وصولًا لوقائع ما نعيشه أثبتت قناعة مفادها أن الصراعات لم تكن بين دعاة الدولة الثيوقراطية (الدينية) ودعاة الدولة العلمانية، بل بين رؤى ديمقراطية تقدمية متكاملة، والرؤى والنزعات السلطوية الشمولية.

قد يرفع نظام علماني شعار الديمقراطية ويجري انتخابات يحيطها بما يوحي الحرص على نزاهتها، وهو في حقيقة أمره أبعد ما يكون عن جوهر الديمقراطية بما تعنيه من رقابة على السلطة التنفيذية ومساواة بين الحاكم والمحكوم أمام القانون.

ما ينسف مقولة إن الديمقراطية ليست سوى انتخابات، هو محاكمتها على ضوء تجاربنا مع الإسلاميين، فإذا سلمنا بذلك لانتهينا لحكم ديني شمولي.

تلك أول خديعة إجرائية لأن الانتخابات عادة لا يذهب إلى التصويت فيها أكثر من 40 بالمئة من إجمالي السكان ممن لهم حق التصويت في أفضل الأحوال، وبالنظر لمقدرة جماعات الإسلام السياسي على الحشد والتنظيم في مواسم الانتخابات، فليس صعبا عليهم ضمان تصويت أغلبية من تلك الأقلية التي خرجت للإدلاء بصوتها، اعتمادا على العصبية الدينية والطائفية.

الإسلاميون يزعمون أنهم فازوا بالأغلبية وهو ما يستندون إليه لاحقا في ترسيخ حكمهم الاستبدادي بدعوى أنه خيار الشعب، وهم فقط حصلوا على أغلبية من بين أقلية أدلت بأصواتها.

وبمرور الوقت يتضح أن الديمقراطية التي أوصلتهم للسلطة معناها حريات أقل وتدهور اقتصادي وصفر مواطنة أي عصف كامل بقيم وجوهر الحرية.

الديمقراطية رؤية للعالم وثقافة وممارسة إنسانية حضارية وليس مجرد وسيلة موسمية لتداول السلطة وقبول مبدئي بالتعددية الحزبية والانتخابات.

من الخطأ حصر الديمقراطية في صناديق الاقتراع، فهي قيم جاءت في البداية من الغرب الذي استمدها بدوره من تجربة الديمقراطيات القديمة في روما وأثينا، وصارت الآن ثقافة عالمية ذات طابع إنساني شامل.

الديمقراطية في الأساس تعنى بإيصال الأكفأ مرحليا للسلطة ثم التعاون معه في تنفيذ خططه وبرامجه التي هي في الأصل واضحة وواقعية لا يشوبها الغموض ولا الرؤى الاطلاقية، ومن ثم مراقبته ومحاسبته على التقصير والتهاون وصولًا لتطبيق آلية عزله الدستورية حال فشله.

كيف نلصق بها كارثة إيصال من لا يكترث كثيرا بمبدأ الكفاءات بل بالثقة والانتماء التنظيمي، ولا بوضع السياسات الاقتصادية الملائمة في مختلف المجالات، ولا يملكون حلولا واقعية للمشكلات التي تنخر مجتمعاتهم، بل فقط يسعون إلى الهيمنة الثقافية؟

الديمقراطية وفق جوهرها وفلسفتها لا تعني التغيير في البنيان السياسي، واستبدال الدولة السلطوية أيًا كانت مرجعيتها بدولة مدنية حديثة، بل هي بالموازاة انتقال في النظم الاقتصادية من الإقطاعية والرعوية إلى التجارية والصناعية المعقدة المحكومة بشبكة معرفية واسعة لإدارة العلاقات مع العالم.

بمعنى أن هناك من يتم توظيفه من الخارج على المستوى السياسي تحت بند تطبيق الديمقراطية- في صورتها الإجرائية الاقتراعية- ليصبح رقما ضمن معادلة التبعية الاقتصادية للغرب، وهنا يتم تمريغ قيمة الديمقراطية في الوحل لأنها تستخدم ستارًا لاستعمار واستبداد مقنّع ولنهب ثروات الشعوب وللهيمنة على إرادتها.

الدليل على أن الديمقراطية أكبر من تلك التصورات استمرار أنظمة في السلطة لعقود برغم عدم تطبيقها الشفافية الكاملة في الانتخابات، وهذا لا يعود للقمع، إنما لأنها تنجح في رفع مستوى المعيشة بين الأفراد.

من اللافت أنه خلال الثورات العربية رفع المواطنون صور رؤساء لم يكونوا رموزا للديمقراطية والحريات، إنّما حققوا لشعوبهم مستويات معقولة من العدل الاجتماعي.

إذا ما جدوى الإدلاء بالأصوات، إذا كانت الغالبية غير قادرة على توفير لقمة العيش لأسرهم؟ وما جدواها في حال عدم وجود كيان جماعي يقرّرها ويتحمل مسئولياتها، كي لا تترك الفرصة لقوى خارجية للعبث بالداخل عبر استغلال كيانات وأحزاب هشّة.

الواقع أنه لا ديمقراطية حقيقية قبل أن تحل المسألة الدينية والمذهبية، فالغرب يطبق جوهر الديمقراطية لأن الدّين لم يعد يمثّل إشكالية وصار الكاثوليكي ينتخب البروتستانتي لكونه الأكفأ.

ما دامت المسألة الدينية لم تحل بشكل جذري بمعنى تفكيك انغلاقات الماضي المذهبية وتعميم التأويل المستنير المتسامح للنص الديني وحصر التنافسية السياسية بين من يقدم البرامج السياسية والاقتصادية.

—————————————————————————————————————-

هشام النجار.

 

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.