الرئيسية | تحاليل سياسية | الجوع يعيد انتفاضة الشعوب العربية نحو الحرية. |بقلم: ريم خليفة.

الجوع يعيد انتفاضة الشعوب العربية نحو الحرية. |بقلم: ريم خليفة.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ الجوع يعيد انتفاضة الشعوب العربية نحو الحرية. |بقلم: ريم خليفة*.

رسمت مؤسسة “فريدوم هاوس″ المعنية بأوضاع الحريات في العالم صورة قاتمة للحريات في المنطقة العربية. وقالت في تقريرها الذي صدر ( 16 يناير / كانون الثاني 2018) حول أوضاع الحريات في مختلف أنحاء العالم خلال 2017 بأن الأوضاع تتدهور بوتيرة متسارعة مقارنة بالسنوات السابقة، موضحة بأن  “الديمقراطية تواجه أزمة حقيقة منذ العام الماضي و تآكلت فرص إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتراجعت حقوق الأقليات وحرية إعلام وسيادة القانون”.

ومع تخلي واشنطن – بحسب التقرير- عن دورها التاريخي في نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية حول العالم. فان دولا عربية وجدت ذلك فرصة  لمضاعفة ممارستها القمعية لمن يختلف معها.

لكن مشهد الاحتجاجات عربيا في الشوارع والميادين عاد مع مطلع العام 2018 ، وتحركت الاحتجاجات هذه المرة لاسباب اقتصادية بالدرجة الاولى، وقد لا تخمد بسهولة، لكونها مرتبطة بجوع أو انخفاض ما يتوفر في جيب  المواطن العادي.

هناك دول لم يخرج الناس فيها إلى الشوارع، وذلك بسبب إحكام القبضة الحديدية وقمع الحريات ومنع التظاهر. اما منطقة الخليج التي تعد الأكثر ثراء، فانها عوضت عن عجز اقتصادياتها بما يتوفر من نقد حاليا، وبالحديث عن رؤى اقتصادية بعيدة المدى قد لا ترى النور، ولكن تستخدم مؤقتا في امتصاص حالة الغضب.

أمّا في بعض الدول التي تحققت لديهم الحرية وحق التظاهر دون قيود اعتباطية، فهي اليوم أمام تحدى كبير خاصة بعد مرور سبع سنوات من انتفاضات الربيع العربي. وهذا الأمر ينطبق مع حالة تونس التي صنفت بالأولى عربيا في الحريات – بحسب فريدوم هاوس- و هي اليوم تنتفض مرة أخرى بسبب ارتفاع الأسعار والضرائب.

هذه الأحداث تأتي في ظل استمرار ملفات كثيرة لم تجد لها حلا في أوساط الشباب ، هناك مثلا جزء ليس صغيرا منه يحلم بالهجرة، والباقي يسعى من أجل لقمة عيش كريمة تحقق له جانبا من طموحاته. ربما لا تكون تونس والسودان ودولا عربية أخرى في نفس السياق مثل المغرب ومصر والأردن، او ليبيا و سوريا واليمن، فهناك فروق موضوعية، اذا ان بعضها يعيش حروبا وصراعات. ولكن معظم الدول العربية حاليا تشهد طفرة مفاجئة في كلفة المحروقات والسلع مع رفع الدعم، وفرض الضرائب بمختلف أشكالها. ودول الخليج أصبحت أيضا في السياق ذاته التي تمرّ به بقية الدول، وبالتالي فإنّ المحرّك الاقتصادي بدأ يأخذ اثره في الحياة من خلال دفع الفئات المختلفة في المجتمع الواحد إلى التوحّد حول ما يمسّ مستوى معيشتهم من دون استثناء.

إضافة إلى ذلك، فإنّ هناك حالة من الخصام  تعيشها دولا مع شعوبها منذ العام 2011 وذلك لعدم تنفيذ إصلاحات تصحيحية حقيقية، أو عبر عدالة انتقالية.

ففي البحرين مثلا ،وهو بلد عربي صغير في جغرافيته، لكنّه كبير في مشاكله بالنسبة لمستوى حجمه. تجد هناك عنادا وإنكارا لوجود مطالب سياسية مشروعة، وهذا أدّى إلى  تغيب تام لتعددية الإعلام والرأي الآخر في ظلّ فرض قرارات مفاجئة. كل ذلك يفقد الحكومة إمكانية التواصل مع القطاعات التي لا تتمكن إغفال وجودها، وهذا ينعكس بضعف في الأداء الحكومي  في امتصاص المشاكل الوطنية. فالتحديات الاقتصادية  بدأت تفرض نفسها مع إصدار وتنفيذ قرارات مفاجئة عبر عملية أحادية الجانب. وهذا كله قد يكون مقدمة لمشاكل أخرى قد نراها في دول خليجية أخرى، وذلك بسبب انتشار حالة غير مسبوقة من السخط.

عدد مما يجري حاليا تنبأ به تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016 ، وهو السادس في سلسلة تقارير يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ العام 2002. فقد أشار التقرير إلى أن  “الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب وإمكاناتهم والاكتفاء بمبادرات صورية أو مجتزأة لا تغيّر واقعهم يذكي اغترابهم عن مجتمعاتهم أكثر من أيّ وقت مضى.”

وأضاف تقرير الأمم المتحدة أن كل ذلك يدفع الشباب “إلى التحوّل من قوة بناء في خدمة التنمية إلى قوّة هدّامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار وتهدّد أمن الإنسان بمختلف أبعاده بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمّتها.”

لقد وثَّق التقرير المعوقات الكبيرة التي يواجهها الشباب السّاعون إلى تنمية أنفسهم في تعاملهم مع نطاق واسع من مؤسسات المجتمع  عبر المنطقة العربية والتي تؤدي سياساتها في نهاية المطاف إلى إقصائهم بأشكال متعددة على الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ووفقا للتقديرات فقد تزداد الهوة في المستقبل القريب، كما أن الاقتصادات العربية قد تعجز عن توليد 60 مليون وظيفة بحلول العام 2020. هذا بالإضافة إلى المشاركة السياسية الضعيفة . وهذا لن يتحقق إلا إذا تم استثمار قدرات الشباب العربي ، وتوسيع حيز الفرص المتاحة بعيدا عن حلول مؤقتة دون أن يدفع جوع الشباب إلى انتفاضة أخرى نحو الحرية.

——————————————————————————————–

*كاتبة وإعلامية بحرينية.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.