الرئيسية | تحاليل سياسية | تونس: التوتّر في البرلمان يُخفي معركة سياسية معقّدة.. والأبواب مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

تونس: التوتّر في البرلمان يُخفي معركة سياسية معقّدة.. والأبواب مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: التوتّر في البرلمان يُخفي معركة سياسية معقّدة.. والأبواب مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

 يستأنف البرلمان التونسي الإثنين، مداولاته للتصويت على قرار تمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة، وسط أجواء ضبابية تُخيّم على مشهد سياسي مُفكك بسبب معركة جانبية جعلته يستعيد تدريجيا اصطفافات مرحلة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، وما سادها من تباينات وتوترات استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.

وتتعلّق هذه المعركة ظاهريا بمسار العدالة الانتقالية، لكنها تُخفي في تفاصيلها وعناوينها، معركة أخرى سياسية مُتشعبة تُبقي الباب مفتوحا على كل الاحتمالات، خاصة وأن القوى السياسية في البلاد على اختلافها مازالت تتمسك بشعارات وعناوين صدامية وسط حراك متداخل لا يجتمع على كلمة سواء.

وسيُحاول البرلمانيون التونسيون خلال هذه المداولات حسم التمديد من عدمه لعمل هيئة الحقيقة والكرامة بعد قرار التمديد بعام إضافي لعمل الهيئة الذي أعلنته رئيستها سهام بن سدرين المثيرة للجدل، والتي ساهمت به في انقسام المشهد السياسي بين رافض لهذا القرار ومؤيد له.

وامتد هذا الانقسام إلى البرلمان الذي فشل في التصويت على التمديد لعمل الهيئة خلال جلسة عامة عقدها السبت، اتسمت أعمالها بالتوتر الذي تحول إلى ملاسنات وتشابك بالأيدي، وتهديدات لرئيس البرلمان محمد الناصر أطلقها النائب مبروك الحريزي الذي قال “أنا اليوم في المجلس انتحاري وسوف أقصفكم”.

وأعرب محمد الناصر عن رفضه للتهديدات التي استهدفته، قائلا “هناك من هدّدني شخصيا، هناك من هدّد بتفجير نفسه واتهمني بأني لست في مكاني. لا أريد أن أجيب كي لا أؤجج الأجواء، هذا الموضوع سينظر فيه البرلمان وسيتحمل فيه مسؤوليته”.

ووسط هذه الأجواء التي أثارت غضب واستنكار مختلف الأوساط السياسية، وتسبّبت في موجة عارمة من الاستهجان لدى الرأي العام، انسحبت سهام بن سدرين، من الجلسة دون أن تُقدم المُبررات والمؤيدات التي دفعتها إلى اتخاذ قرار التمديد لعمل هيئتها، ليُقرر بعد ذلك رئيس البرلمان، رفع الجلسة، على أن تستأنف أعمالها الإثنين.

هالة عمران: ما حدث في البرلمان  تهكم على سيادة الشعب من قبل الترويكا الجديدة
هالة عمران: ما حدث في البرلمان  تهكم على سيادة الشعب من قبل الترويكا الجديدة.

واستبقت أربع كتل برلمانية لها 93 نائبا، هي كتلة حركة نداء تونس (55 نائبا)، وآفاق تونس (7 نواب)، والكتلة الوطنية (10 نواب)، وكتلة الحرة (21 نائبا)، مداولات الاثنين، بإطلاق مبادرة تشريعية لتصحيح مسار العدالة الانتقالية.

وقال سفيان طوبال، رئيس الكتلة النيابية لحركة نداء تونس، إن المبادرة تتعلق بـ”مشروع قانون لتصحيح مسار العدالة الانتقالية”، وحمّل في المقابل المسؤولين الحاليين لهيئة الحقيقة والكرامة، مسؤولية تعطيل مسار العدالة الانتقالية.

وشدّد في تصريحات إذاعية، على أن “العدالة الانتقالية ليست سهام بن سدرين… وهيئة الحقيقة والكرامة هي جزء من العدالة الانتقالية”، وذلك ردا على الاتهامات التي تُوجه لنواب الكتل المذكورة بأنهم يستهدفون مسار العدالة الانتقالية في البلاد.

ويرى مراقبون أن هذا التطور الجديد قد يؤجج هذه المعركة التشريعية، ويُحوّلها إلى سياسية، لا سيما وأن الكتل الأربع لا تُخفي رفضها التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، وموقفها المناهض لسهام بن سدرين، وذلك على عكس حركة النهضة الإسلامية التي تؤيد التمديد، وتتمسك ببقاء بن سدرين في موقعها.

وكان لافتا خلال هذه المعركة التشريعية أن حركة النهضة الإسلامية لم تتردّد في الاصطفاف مع حلفاء الأمس الذين حكمت معهم البلاد خلال فترة الترويكا التي امتدت من العام 2011 إلى نهاية العام 2013.

ودفع هذا الاصطفاف، النائبة هالة عمران عن حركة نداء تونس، إلى القول إن “ما حدث يوم السبت فضيحة كبرى، وتهكّم على سيادة الشعب من طرف الترويكا التي عادت من جديد للدفاع عن سهام بن سدرين”.

وارتفعت حدّة التكهنات حول انعكاسات هذه المعركة التشريعية على التوازنات السياسية الراهنة في علاقة بالمعركة المفتوحة حول بقاء أو رحيل الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، وتبعات ذلك على التوافق بين حركتي نداء تونس والنهضة في هذه المرحلة التي تُوصف بالحرجة والدقيقة.

ولا يحتاج الربط بين المعركتين، إلى الكثير من الوقت لفهم أبعاد وخفايا هذا المشهد الذي يُحاكي من حيث تفاصيله المأزق الحاد الذي تردت فيه البلاد بسبب تمسك حركة النهضة الإسلامية بحسابات ومعادلات التوظيف عبر مقاربات مغلوطة أملتها اعتبارات لا تمتّ بصلة بمصالح البلاد.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن النظر إلى السقف العالي الذي ينحو باتجاهه الخطاب الرسمي لحركة النهضة سواء في ما يتعلق بالتمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، أو التمسك ببقاء حكومة الشاهد، خارج سياق محاولاتها لاستباق أي رجة سياسية في هذه المرحلة التي اقتربت فيها البلاد من الانتخابات المحلية التي قد تُعيد تشكيل المشهد العام دونها.

—————————————————————————————————-

الجمعي قاسمي | صحافي تونسي.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.