الرئيسية | تحاليل سياسية | سعاد عبد الرحيم: لا تنازل عن منصب شيخ مدينة تونس.

سعاد عبد الرحيم: لا تنازل عن منصب شيخ مدينة تونس.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ سعاد عبد الرحيم: لا تنازل عن منصب شيخ مدينة تونس.

 تصدرت قائمة حركة النهضة في بلدية تونس العاصمة، بقيادة سعاد عبد الرحيم (مرشحة مستقلة) نتائج الانتخابات البلدية (محلية) التي جرت في 6 ماي الجاري، بنسبة 33.8 بالمئة، وإذا تمكّنت مرشحة النهضة من جمع الغالبية في المجالس البلدية، ستكون أوّل امرأة تتولّى رئاسة بلدية العاصمة.

وفي حوار صحفي أكدت عبد الرحيم تمسّكها بمنصب شيخ المدينة بفضل عدد الأصوات المرتفع الذي تحصلت عليه، وأن هناك محادثات ومفاوضات جارية حاليا بين الأحزاب المتنافسة حول هذا المنصب، معربة عن أملها في أن يحصل التوافق بين الأحزاب الحاكمة.

واعتبرت أن ترشحها هو تتويج للمرأة التونسية التي تناضل منذ سنوات طويلة لنيل حقوقها الاجتماعية والسياسية. ورفضت الأصوات المشككة في كفاءتها بسبب انتمائها إلى حزب إسلامي مشيرة إلى أن العمل البلدي الذي يقوم أساسا على تقديم خدمات للمواطن غير خاضع للأيديولوجيا.

المرأة تتقدم سياسيا

سعاد عبد الرحيم هي امرأة أعمال ومناضلة قريبة من الإسلاميين منذ زمن، وكانت نائبة عن حزب النهضة في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المؤقت) بين 2011 و2014. وتتميز عبد الرحيم (53 عاما)، الطبيبة الصيدلانية، بمظهر بسيط وتسريحة شعر منسّقة ولباسها للسروال، وهو أمر مختلف عن محيطها السياسي الذي تنتمي إليه وقد جعلها عرضة للانتقادات.

وعام 2017 عادت عبد الرحيم والتحقت بمكتب النهضة رافضة تعريف الحزب بـ”الإسلامي”، وقدّمت نفسها على أنّها “مستقلة” صلب الحركة.

وتصف عبد الرحيم ترشحها لمنصب شيخ مدينة تونس بالفخر للمرأة التونسية؛ فعلى مدى أكثر من مئة عام على تأسيس بلدية تونس العاصمة لم يقع تعيين أي امرأة على رأسها.

ومنذ إحداثها سنة 1858 كأول بلدية في البلاد، اقتصر تعيين شيخ المدينة على الذكور، حيث وقع تعيين 31 رئيسا. ورغم أن أول شيخ مدينة كان من ولاية القيروان (وسط البلاد) فقد ارتبطت عقلية البعض بوجوب تعيين رجل من أعيان العاصمة، حسب ما أشار إليه مراقبون.

وتقول “يبدو ذلك متضاربا مع القوانين التي سنّتها تونس الداعمة لحقوق المرأة وتكافؤ الفرص بينها وبين الرجل، في كل اجتماعاتنا وشعاراتنا ننادي بأن المرأة هي نصف المجتمع.. لذلك لا بد أن تنال حقها السياسي ولا بد أن يقع إنصافها”.

وتابعت “اليوم، الشعب هو من قال كلمته وجزء منه منحني ثقته وهو ما يثبت أن التونسيين باتوا على ثقة من أن المرأة تستطيع أن تنجح في مواقع صنع القرار”. تشرح عبد الرحيم وجهة نظرها فتقول “6 بالمئة فقط من نساء تونس في المواقع السيادية وهي نسبة ضعيفة، خاصة أن الدستور التونسي ينص على المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس الجنس”.

وترى أن العقلية الذكورية هي السائدة وراء الحضور السياسي الضعيف للمرأة في تونس ودول أخرى. وتلفت إلى أن نسبة المرأة التونسية في التمدرس أعلى من نسبة تمدرس الرجال، كذلك الحال في مختلف القطاعات الأخرى في البلاد.

وأضافت “في السابق كان تعيين رئيس البلدية في العاصمة أو في بقية مدن البلاد يتم حسب المحسوبية والولاءات لمن يزكي السلطة  المركزية، كانت البلديات مهمشة ومفقرة ومنسية، وبرنامج العمل البلدي لم يكن يصاغ في البلدية إنما يأتي من المركز”.

وتستدرك عبد الرحيم قائلة “لكنْ اليوم أنصف التونسيون المرأة؛ حيث وقع انتخاب العديد من مرشحات القوائم وهناك العديد منهن احتللن مراتب متقدمة من حيث عدد الأصوات”.  وتابعت “الشعب هو من بات ينتخب ممثليه في البلديات، ونلاحظ أن الجميع في تونس باتوا يدعمون قيم المواطنة ويؤمنون بمسؤولية البلديات”.

وترى أن نتائج الانتخابات البلدية أزاحت ذلك الحاجز الذي يقف أمام طموح المرأة ويزعم أنها لا تستطيع أن تجلب الأصوات. وتقول “المرأة التونسية مناضلة على مدى سنين طويلة لكن إذا تم الحديث عن منحها منصب رئيس بلدية تونس ذات الأهمية السياسية والموقع الرمزي يرفض البعض ذلك ويقول إنه لا يجب علينا أن نرشح امرأة ويقع إقصاؤها عبر سياسة التمييز”.

وتضيف “كان الكثير من الناس يروّجون فكرة أن المرأة غير قادرة على تولي مناصب قيادية لكن نتائج الانتخابات شجبت كل ذلك. الشعب اليوم منح المرأة صوته وثقته، وعلى النخب أن تغير العقلية الذكورية السائدة”.

وتعتقد أن “نجاحها في الفوز بمنصب رئيس البلدية خطوة لتغيير هذه العقلية لأن اختيار المواطن للمرأة يكشف أن عقليته بدأت تتغير وصار يثق في المرأة السياسية، هذا المسار الصحيح الذي نلمسه في الشارع التونسي والذي طالبنا به على مدى سنوات لا يجب -نحن كنخب متنافسة- أن نتخلى عنه أو نعيقه لمصالح سياسية، هذا ليس ممكنا بعد اليوم”.

وتعقّب قائلة “إذا فزت أعتبر ذلك فوزا للمرأة التونسية ونجاحا للتجربة، وستكون الأولوية للانطلاق في تركيز اللامركزية وفي تنزيل الباب السابع من الدستور وفي خدمة المواطن حتى يدرك ما معنى أن تكون هناك بلدية تعمل في مدينته”.

العلاقة مع النهضة

عبدالرحيم: الانتخابات البلدية أزاحت ذلك الحاجز الذي يقف أمام طموح المرأة
عبدالرحيم: الانتخابات البلدية أزاحت ذلك الحاجز الذي يقف أمام طموح المرأة.

تعالت أصوات منتقدة لترشح عبد الرحيم لمنصب رئيس البلدية مشككة في مدى نجاعة واستقلالية ممثلة حركة إسلامية إذا اعتلت هذا المنصب لجهة المخاوف من خضوعها لضغوط الحركة لكن عبد الرحيم تنفي ذلك وتقول إن “الحركة لم تمارس ضغطا عليها في أي نقطة أو موقف سابق”.

وتلفت إلى أنها “عندما كانت عضوا في المجلس التأسيسي عبرت في العديد من المرات عن موقف مغاير لموقف النهضة لكن في المقابل لم تتعرض لأي ضغط أو لوم”. وتضيف “كان ما يهمنا هو إرساء تجربة ديمقراطية، وليس بالضرورة أن نحمل جميعا نفس الأفكار والآراء”. وأشارت إلى أنها أحيانا تتبنى أفكارا مخالفة لأفكار حركة النهضة حيث تقول “في بعض الأحيان يكون رأيي مخالفا لآراء الحركة لكننا نتناقش في ما بيننا ونتفق”.

وعن حقيقة تعرضها لضغوط بخصوص عدم ارتدائها الحجاب صلب حركة دينية تقول عبد الرحيم “لا أعتقد اليوم حتى لو كان الحزب له مرجعية دينية أن يفرق على أساس اللباس فهو حرية شخصية، فالنهضة حزب مدني يشتغل بالسياسة، والتركيز على مدنية الحزب والدولة هو ما يهمنا اليوم”.

وتشير إلى أن الحركة قرّرت الانفتاح منذ مؤتمرها العاشر، وتفسر ذلك بقولها “كانت هناك قوانين تكبل العمل الحزبي وكان هناك هرم معين يقع احترامه لكن بعد المؤتمر تم فتح الأبواب للكفاءات وللشخصيات الوطنية التي تريد الالتحاق بحزب النهضة دون شرط أن يكون الشخص منخرطا لسنوات حتى يتداول على مؤسسات الحركة”.

وتبين أنه في الانتخابات البلدية كان نصف قوائم المرشحين في الحركة من المستقلين والمستقلات؛ “كان هناك تغيير لافت للنهضة بعد المؤتمر داخل مؤسساتها وفي قراراتها”.

ورغم هذا الخطاب الحداثي الذي باتت تتبناه الحركة تعتقد عبد الرحيم أن النهضة مطالبة بالمزيد من التطبيع والمصالحة مع الإدارة والمؤسسات ومع المواطن وهو ما يمكن أن يحقق لها المزيد من القبول، خاصة أنه عند اعتلائها سدة الحكم عام 2011 كانت منغلقة مع الإدارة وهو ما خلق شرخا بين الحركة وبين المجتمع. وتقول “لست عضوا منتخبا في الحركة لكن المهم عندي اليوم هو تنفيذ برنامج البلديات مثل ما كان يعنيني عام 2011 إرساء دستور يرفع سقف الحقوق والحريات بين جميع التونسيين”.

حظوظ الفوز

بدأ التنافس يحتدم على رئاسة بلدية تونس العاصمة منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية. ويثير منصب شيخ مدينة تونس (رئيس البلدية) تنافسا حادا بين مرشحة النهضة سعاد عبد الرحيم ومرشح نداء تونس كمال ايدير. وأمام 7212 مُستشارا بلديا تم انتخابهم مهلة حتى جويلية المقبل لانتخاب رؤساء 350 بلدية.

وأكدت عبد الرحيم تمسكها بالمنصب لجهة حصولها على أكبر عدد من الأصوات وتقول “لو كنت تحصلت على المرتبة الثانية أو الثالثة لما تمسّكت برئاسة البلدية”.

وتابعت “ليس حقا شخصيا حتى أتنازل عنه، هي أصوات أناس منحوني ثقتهم فقد طفت الشارع على أساس أنني رئيس البلدية. وحتى أكون أمينة على هذه الأصوات فأنا متمسكة بهذا المنصب إلى النهاية، لكن إذا أزاحني الصندوق فسأقبل بالنتائج هكذا هي الديمقراطية”.

وعن حظوظ الفوز أوضحت عبد الرحيم أن “النهضة تتمتع بأكثر عدد من الأصوات بـ21 مقعدا أما النداء فتحصل على 17 عشر مقعدا وفي نفس الوقت هناك مرشحون آخرون لرئاسة البلدية، فبالتالي من المتوقع أن ينحسر التنافس بين أربعة أشخاص وهذا لا يمنعه القانون”.

وذكرت “صحيح ليس للنهضة أغلبية مطلقة لكن نأمل أن نفوز بمنصب شيخ مدينة تونس وهو يخضع حاليا لتفاهمات ومفاوضات”.

وبينت أنه “إذا لم تتفق النهضة والنداء صاحبتا الكتل النيابية الكبرى سيكون المشهد السياسي معقدا، لأن القانون يتطلب أغلبية مطلقة بنسبة 50.1 بالمئة من عدد المقاعد لكن إذا كنا أربعة مترشحين فسيكون من الصعب أن نحقق هذه النسبة وسيكون على المرشح الذي احتل المرتبة الأولى والثانية الخضوع إلى دورة ثانية وإذا كان هناك تساو في الأصوات في هذه الحالة تكون الأولوية للأكبر سنا ليكون رئيسا للبلدية”.

وعن شكل ومستقبل التوافق بين الأحزاب في مدينة تونس تلفت عبد الرحيم إلى  أن “النهضة تنتظر أن يتم التوافق”. وترى أنه “لا بد أن يكون هناك قرار عقلاني وأن يتم التوافق ونحن كأحزاب حاكمة منضوية تحت وثيقة قرطاج التي تحدد أولويات الحكومة، يجب أن تدرك أن البلديات والحوكمة المحلية جزء من السلطة”.

واعتبرت أن “على المشاركين بوثيقة قرطاج أن يتفقوا على هذه النقاط أساسا حتى يتم الإنجاز”. وأردفت “نحن في حاجة إلى تفاهم وتوافق كما أنقذ بلادنا في وقت من الأوقات هو أيضا قادر على أن ينجح العمل البلدي إذا اعتمدنا عليه وحتى إذا اختلفنا في الرئاسة فإننا سنتوافق في تنفيذ البرامج”.

وأعربت سعاد عبد الرحيم في ختام حديثها عن ثقتها الكبيرة في الحنكة السياسية والعقلنة الموجودة لدى الأحزاب رغم التصريحات الأولى “المتشنجة” بمجرد إعلان النتائج الأولية التي تبررها حالة التنافس بين الأحزاب، لكن إيمان النخب السياسية بحضور المرأة السياسية يعزز فرض فوزها بمنصب رئيس البلدية. وتقول “جميل أن تكون المرأة التونسية في منصب شيخ المدينة.. كنا دائما نشكو من عدم تكافؤ الفرص وهذه هي الفرصة”. وتؤكد “بغض النظر عن الفائز امرأة كانت أو رجلا المهم هو الإنجاز”.

وينتظر أن تتولى المجالس البلدية المنتخبة في تونس مهامها نهاية جويلية المقبل بعد إعلان الهيئة العليالمستقلة للانتخابات النتائج النهائية.

وتصدّرت القوائم المستقلة نتائج الانتخابات البلدية التونسية بنسبة 32.9 بالمئة، تلتها حركة النهضة بنسبة 29.68 بالمئة؛ ثم نداء تونس بنسبة 22.17 بالمئة.

 وجرت الآونة الأخيرة أولى الانتخابات البلدية بعد ثورة تونس جانفي 2011 وتنافست في 350 دائرة بلدية 2074 قائمة، منها 1055 قائمة حزبية و159 قائمة ائتلافية، و860 قائمة مستقلة. ويتجاوز عدد المقاعد المتنافس عليها 7 آلاف ومئتي مقعد بالمجالس البلدية.

________________________________________________________________________________

*آمنة جبران | صحافية تونسية.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.