الرئيسية | تحاليل رياضية | تحييد الرياضة كذبة تاريخية.. السياسة حاضرة قبل الرياضة وبعدها.

تحييد الرياضة كذبة تاريخية.. السياسة حاضرة قبل الرياضة وبعدها.

تحاليل _ تحاليل رياضية _ تحييد الرياضة كذبة تاريخية.. السياسة حاضرة قبل الرياضة وبعدها.

مباريات كثيرة جرت في تاريخ كرة القدم، أبانت عن حضور السياسة في الملعب أكثر من قواعد اللعبة نفسها. صلة الكرة بالسياسة ظاهرة لا يمكن نفيها أو دحضها، لأنها تستند إلى العشرات من الأمثلة والوقائع، السابقة والراهنة والقادمة حتما.

مباراة المنتخب السوري لكرة القدم مع نظيره الإيراني، كانت وقبل ضربة بدايتها تحيل إلى الثورة السورية والدور الإيراني والتدخلات الإقليمية، وتشنج المواقف أكثر مما تحيل إلى أثر نتيجتها على تحديد المترشح لكأس العالم في روسيا. وقبل تلك الموقعة لعب المنتخب السوري أيضا ضد المنتخب القطري وكانت للمباراة تأويلات أخرى مشتقة من اصطفافات أخرى منطلقة من الثورة ذاتها. لا يكفي الحيز لسرد الأمثلة التي تشير إلى وقوع السياسة في الرياضة أو تأثر الأخيرة بما يسود من علاقات دبلوماسية وسياسية متوترة أو متصالحة.

في 14 جوان 1969 جرت مقابلة فاصلة في تصفيات كأس العالم 1970 في المكسيك، بين هندوراس وسلفادور، ومع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما، وفي 3 جويلية اندلعت الحرب بين الدولتين، وهي الحرب التي سميت حرب كرة القدم رغم أن أسباب التوتر بين الدولتين كانت كامنة وموروثة وقديمة إلّا أنّ المقابلة وفّرت الفرصة لإشعال الحرب.

كما تعدّ مقابلات الأرجنتين وإنكلترا من أشد المواجهات توترا وصعوبة لا فقط لقوة المنتخبين، وإنما لأن المقابلات تتأثر بالجو السياسي المشحون بين البلدين على خلفية أزمة جزر الفوكلاند التي بسطت عليها الإمبراطورية البريطانية هيمنتها منذ العام 1833، وعرفت الأزمة أوجها مع حرب الفوكلاند عام 1982، وطيلة تلك الفترة لم تخلُ مباريات المنتخبين من تشنج وأحداث عنف.

الأمثلة كثيرة على استدعاء العلاقات السياسية إلى ملعب كرة القدم، أو غيرها من الرياضات، لكن كرة القدم باعتبار شعبيتها تكون أكثر حساسية بالنظر للاهتمام الذي تحظى به وللرهانات التي تمثلها، إذ توجد العشرات من الأمثلة التي طالت حتى ملاعب عربية (على غرار الأزمة بين مصر والجزائر في العام 2009 في مباراة الخرطوم الشهيرة)، وحتى مباريات في البطولات المحلية.

الأمثلة السالفة كما غيرها، مفيدة لبيان أن الصلة وثيقة بين كرة القدم والسياسة، والتداخل بين المجالين ينبع من بعدين أساسيين. الأول أن كرة القدم، تحولت، بفعل تحولات الإعلام والاستثمار والاقتصاد، إلى عملية اقتصادية واجتماعية وسياسية وفنية مركبة ومعقدة، وهذا التعقيد والتداخل هو ما يسّر استدعاء الوقائع السياسية إلى ميادين الكرة.

أما البعد الثاني فيتصل بكون العملية السياسية ذاتها قد أخذت تتطور وتتشابك (بفعل نفس العوامل التي حولت كرة القدم إلى صناعة فضلا عن عوامل أخرى) إلى درجة أصبحت تتيح وتسمح بتسييس كل الأنشطة البشرية، وهذا يعني أن العملية السياسية أصبحت تراهن وتوظف كل التعبيرات البشرية الفنية والاجتماعية والرياضية وغيرها، في خدمة مقولاتها وأهدافها.

“الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى إذن فالأصل أن تستثمر انتصاراتك العسكرية في نجاح سياسي وإلا فستظل تراوح مكانك”، هكذا قال الفيلسوف الروسي كارل فون كلاوزفيتز، وإذا ما استعرنا أوجه التشابه بين كرة القدم والسياسة، فإنه يجوز اعتبار كرة القدم حربا بوسائل أخرى، انطلاقا مما يصاحب المباريات من حماس وطني وتوترات وتعصب للفريق الذي يتحول عند من يذودون عنه إلى اختصار للانتماء الوطني أو الديني أو العرقي أو الاجتماعي أو المناطقي. تحويل الفريق إلى انتماء يجدر الذود عنه بحماسة الحروب هو دور يؤمنه الساسة والإعلام أو حتى المخيال الجمعي حين يكون منكسرا ويبحث عن تعويض.

احتاج الانقلاب العسكري في البرازيل عام 1964 -المدعوم أميركيا- الذي أطاح بالرئيس المنتخب جواو غولار، إلى كأس العالم عام 1970 لتثبيت حكمه وتوطيد أركانه. واحتاج الحكم العسكري في الأرجنتين إلى كأس العالم عام 1978 لإسعاد الجماهير العاشقة لكرة القدم وإضفاء بعض الشرعية على النظام، مثلما قدم للشعب هدية عوضته مرارة الهزيمة في حرب الفوكلاند عام 1982، بالانتصار على المنتخب الإنكليزي في مونديال عام 1986 في المباراة التي عرفت بهدف دييغو مارادونا الشهير الذي قال إنه من صنع “يد الله”.

الرافضون للعلاقة بين كرة القدم والسياسة والباحثون عن “طهرانية” الأولى ونجاعة الثانية، لن يكون بوسعهم تقديم وقائع وأمثلة نقية خالية من التداخل، والزعم بوجوب فك الارتباط بين المجالين هو أمنية تكذبها الوقائع والمباريات والشعارات السياسية التي تغزو المدرجات وصولا إلى حماسة تصاحب ترديد النشيد الوطني.

——————————————————————————–

*عبد الجليل معالي.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.