الرئيسية | تحاليل سياسية | أسباب انتشار الفساد في المجتمعات الإفريقية |بقلم: المنصف بكاي

أسباب انتشار الفساد في المجتمعات الإفريقية |بقلم: المنصف بكاي

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أسباب انتشار الفساد في المجتمعات الإفريقية |بقلم: المنصف بكاي*.

ممّا لا شكّ فيه أنّ الكثير من المجتمعات المتخلّفة لاسيما الإفريقية منها توجد بها أنظمة تمارس سلطة لا حدود لها وتتمتع بهيمنة كلية على مجتمعاتها بل أضحت تشجع الفساد من أوسع أبوابه, كما أحاطت نفسها بمفسدين يتمتعون بحصانة, وبالتالي إحكام سيطرتهم على المجتمع. وعلى هذا الأساس, وبالرغم من أن الرؤساء لهم صلاحيات التدخل لوضع حدّ لهذا النفوذ, إلّا أنّ هؤلاء المفسدين قد أصبحوا المخطّطين السياسيين والمشرفين على صفقات الفساد. وعليه, أضحى الولاء للدولة مرادفا للولاء لفرد أو عائلة أو بضعة أفراد وثيقي الصّلة بالسلطة, الأمر الذي أدّى إلى انبثاق ما نتفق على تسميته بالنفوذ وإساءة استخدام المنصب لتحقيق منافع شخصية.
 وممّا يزيد في الطّين بلّة أن هؤلاء المفسدين هم الذين يحدّدون من يتمّ توظيفه أو استوزاره …
  * أسباب إنتشار الفساد في المجتمعات الإفريقية:
   يمكننا تعريف الفساد ببساطة أنّه نوع من أنواع السلوك الذي يتنافى ومبادئ المجتمع لاسيما تلك المتعلقة بالقواعد القانونية والأخلاقية بحيث يقوم بهذا العمل السيئ فرد أو جماعة من خلال السطو على مكاسب أو منافع من دون وجه حقّ. وعليه, تعجز الدولة عن القيام بتوزيع عادل للثروة.
    وعلى ضوء ما تقدم, يمكن القول أن للفساد أشكال متعدّدة منها الرشوة والمحسوبية (1) وسرقة المال العام والتقاعس عن أداء الواجب وعرقلة مصالح المواطنين.

ونعتقد أنّ الجانب المالي يعدّ يمثابة المحرك الأساسي لتفشي ظاهرة الفساد, بحيث ينشأ شعور داخلي لدي مجموعة من الأفراد تعتقد أنّ من يملك المال يملك السلطة والنفوذ, ومن يملك السلطة يملك المال. وعلى هذا الأساس, تستفيد هذه المجموعة من بعض المواقع في السلطة لتحقيق مزايا ومكاسب بدون وجه حق, ومن ثمّة مخالفة الأعراف السائدة في المجتمعات الإفريقية.
 من أسباب تفشي ظاهرة الفساد في إفريقيا, نذكر ما يلي:
أ – عدم تبني الكثير من المجتمعات الإفريقية للحكم الراشد.
ب – انتشار الفقر والجهل.
ج – عدم الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية, الأمر الذي يساهم في وجود اختلالات لعل أبرزها مبدأ الرقابة المتبادلة, كما أن ضعف الجهاز القضائي وعدم تمتعه بالأستقلالية, يساهم أيضا في استفحال ظاهرة عدم نزاهته, وبالتالي يصبح سببا من الأسباب الرئيسية في تفشي. ظاهرة الفساد.
د – ضعف أجهزة الرقابة وعدم استقلاليتها في الكثير من الدول الإفريقية.
ه – عدم وجود إرادة لدي القيادات السياسية الإفريقية لمكافحة ظاهرة الفساد, وعدم القدرة على اتخاذ الإجراءات القانونية والوقائية اللازمة في حق المفسدين بسبب تورط هذه القيادات السياسية أو بعض عناصرها في الفساد.
ومن أبرز مظاهر الفساد, استغلال المنصب من قبل بعض الشخصيات مثل الوزراء والوكلاء والمستشارين للحصول على امتيازات لعل أهمها تلك المتعلقة بمشاريع البنية التحتية والشركات التجارية المخول لها استيراد المواد ذات الاستهلاك الواسع أو التمكن من الحصول على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه المنافع.
   والجدير بالذكر, أن الكثير من الدول الإفريقية تبذّر المال العام عن طريق إعفاءات ضريبية لأشخاص أو شركات بغرض استرضاء بعض الشخصيات أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة, الأمر الذي يؤدي إلى حرمان خزينة الدولة من موارد مالية يكون من الأجدر توظيفها في حل الكثير من المشاكل السوسيو -اقتصادية.
   ويمكن اعتبار الإستعمار سببا من الأسباب الرئيسة لتفشي ظاهرة الفساد في القارة الإفريقية نظرا لارتباط بعض الدول الإفريقية به لاسيما الفرنسي.

ومن الأمثلة الحيّة لتدعيم تحليل ما تناولناه في هذا المقال, سنتطرق إلى نموذج في غرب إفريقيا إذ يتعلّق الأمر بساحل العاج. فبالرغم من حصول ساحل العاج على استقلالها يوم 7 أوت سنة 1960, إلّا أنّها ظلت تسبح في فلك الإدارة الفرنسية خصوصا إذا ما علمنا أنّ أوّل رئيس للبلاد هو فوات بوانيي الذي حكم من سنة 1960 إلى غاية سنة 1993 قد شغل عدة مرات منصب وزير ونائب بالبرلمان في عهد الجمهورية الفرنسية الرابعة, كما شارك في إعداد دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة. وعلى هذا الأساس, ظلت القرارات السياسية في آبيجان تخضع لتوجيه من الساسة في باريس أمثال الجنرال ديغول, بومبيدو, ميتران أو فرنسوا هولاند. و عليه, يمكننا القول أيضا أن ساحل العاج ظلت تسبح في فلك نظام اقتصادي استعماري, وهذا ما يفسّر لنا سيطرة الشركات الاحتكارية الفرنسية على مظاهر الحياة الاقتصادية الإيفوارية ابتداء من الحاويات بميناء آبيجان إلى توزيع الكاكاو, فالاستحواذ على صفقات البناء والهاتف النقال.وكان الرئيس بوانيي يخصّص كلّ الصفقات للمؤسّسات الاقتصادية الفرنسية. كما أشارت المصادر إلى أنّ عدد الجالية الفرنسية في ساحل العاج قد بلغ حوالي 30 ألف شخص يعملون في عدد كبير من الوكالات ومكاتب التصدير والاستيراد والمزارع والمتاجر. (2)
     وفي هذا السياق, ظلّت اقتصاديات البلاد مرتبطة ارتباطا كليا بفرنسا عن طريق هيمنة الشركات الفرنسية التي نذكر منها بويغ و أورنج على كلّ كبيرة وصغيرة, وحتى الجانب المالي هو بيد المؤسّسات المالية الفرنسية. أما إذا انتقلنا إلى المجال العسكري, لفرنسا قاعدة عسكرية ب بورت بوي بالقرب من مطار أبيجان الدولي لحماية نظام بوانيي من أي طارئ من جهة, والحفاظ على مصالحها من جهة أخرى. (3)                                 

الخاتمة
     بالرجوع إلى ما تناولناه سلفا, يمكن القول أنّ تفشي ظاهرة الفساد في المجتمعات الإفريقية تترتّب عنها آثار سلبية على الحياة السياسية والسوسيو-اقتصادية, ولعلّ أبرزها فقدان قيمة العمل وزعزعة القيم الأخلاقية وبروز التطرّف واستفحال أمر الجريمة كردود فعل لانهيار القيم وعدم وجود تكافؤ الفرص في المجتمع. كما يترك الفساد بصماته على الأنظمة السياسية للمجتمعات الإفريقية بحيث يطعن في شرعيتها أو استقرارها أو سمعتها.

—————————————————————-

*  البروفيسور منصف بكاي، باحث جزائري ومدير مخبر دراسات افريقية.

——————————————————————————————-

الهوامش:
1 – أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي إليها شخص مثل حزب أو عائلة أو جهة.
2 – الشيخ طارق عادل. “انقلاب كوت دي فوار. السياسة الدولية, العدد 140, أفريل 2000, Õ 30
3 – Marianne. No 401-402. pp 47-49.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

تعليق واحد

  1. مقال في المستوى للدكتور منصف لكاي مدير مخبر دراسات افريقية بالجزائر , دائما في المستوى المعهود ,كما للدكتور العديد من المقالات التي تندرج في هذا السياق البحث التاريخي والأكاديمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.