الرئيسية | تحاليل تربوية | ثقافة الإصلاح التربوي. |بقلم: سعيد يقطين*

ثقافة الإصلاح التربوي. |بقلم: سعيد يقطين*

تحاليل _ تحاليل تربوية _ ثقافة الإصلاح التربوي. |بقلم: سعيد يقطين*

لا تصلح أمّة من الأمم إلا بصلاح تعليمها. ولن يصلح التعليم في أمة إلا بصلاحها. مفارقة صارخة، فمن أين يمكننا الإمساك بنقطة الانطلاق لحل المفارقة؟
يقترح إدغار موران في كتابه «الطريق» (2011) لحلّ مثل هذه المفارقات الدالّة على تعقّد الظواهر، ومن بينها المشكلة التعليمية، وهو يتحدّث عن فرنسا، بقوله بأنّه: «لا يمكننا إصلاح المؤسّسات بدون إصلاح العقليات، ولا تصلح العقليات بدون إصلاح المؤسّسات»، مرتئيا أنّ فكرة «الإصلاح» في حدّ ذاتها يمكن أن تثير الأذهان للتفكير والحوار والنقاش. لكن ليست كلّ الأذهان قابلة للتفكير والحوار والنقاش، من أجل تجاوز الوضع القائم، حتى إن كان الجميع يقرّ بسلبيته. فإذا لم تتوفر الإرادة الحقيقية لدى كل الأطراف المعنية بالإصلاح التربوي لا يمكن للحلول المقدمة إلا أن تكون ترقيعات، سرعان ما تستدعي إعادة طرح الإصلاح، في كل مرحلة يكون الوصول فيها إلى الطريق المسدود. لكن المسألة لا تتعلق فقط بالإرادة. إننا إذا افترضنا جدلا أن «إرادة الفعل» متوفرة لدى الدولة والمجتمع، نتساءل هل هناك «معرفة الفعل» لدى من ينتدبون للتفكير في الوضعية التعليمية والتخطيط لها؟ معرفة الفعل نختزلها في «ثقافة الإصلاح» التربوي والتعليمي.
إن ما يدفعنا إلى طرح سؤال «المعرفة» بخصوص المسألة التربوية يكمن في سؤال آخر يفرضه الواقع: لماذا فشلت كل المقاربات الإصلاحية، ومختلف المؤسسات التي تم خلقها للعمل على تجاوز الوضع السلبي، الذي يتخبط فيه التعليم منذ الاستقلال إلى هذه الساعة؟ لطالما تحدثنا عن الارتجال والتجريب في اقتراح الحلول التي كانت ترتد دائما إلى نقطة البداية. لكن هل فكرنا في تجاوز الارتجال والتجريب؟ لا يمكننا أن نفكر في ذلك أبدا لأننا لا نمتلك في آن لا إرادة الفعل، ولا معرفته. إن المشكلة الكبرى، في ما يتعلق بالمسألة التربوية، تكمن في أننا نسعى إلى الجواب عن السؤال الذي يفرض نفسه علينا، هنا والآن. لكن السؤال المركزي حول التعليم لم نطرحه أبدا. إنه السؤال الوجودي المركب: ماذا نريد من التعليم؟ وما هو التعليم الذي نريد؟ بدون طرح هذا السؤال، الآن وهنا، لا يمكننا تحقيق إرادة الفعل، ولا إنجاز معرفة الفعل.
منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي بدأت تطرح مسألة التعليم وسوق الشغل، وجاءت بطالة الخريجين لتكرس هذه القضية. كان الجواب الضمني عنها يقول: إن التعليم العمومي هو المسؤول. أما الجواب العملي فكان فتح المجال للتعليم الخاص من الروضة إلى العالي. وبعد أزيد من ثلاثين سنة، بدأ يظهر أن التعليم الخاص لم يكن سوى إسفنجة امتصاص، وتحويل للمشكل الحقيقي للتعليم. لكن مشاكل التعليم في تزايد، وما اعتبر في زمان حلا، صار جزءا من المشكل.
خلال السنوات الأخيرة، وإلى الآن، برز سؤال لغة التدريس، ثم تلاه مشكل العنف المدرسي ضدّ الأساتذة، وها مشكل التعاقد جاء موصولا بالمجانية. فكيف كان التعاطي مع كلّ هذه القضايا، وما سبقها، سواء على مستوى الحكومة أو الأحزاب والنقابات أو المسؤولين عن القطاع؟ وكيف برز ذلك على مستوى الإعلام والوسائط الاجتماعية؟ لا نسمع سوى جعجعات، ولا نرى طحنا: بلاغات، سجالات، مقالات تدعو إلى، أو على، أتذكر أنه بمناسبة الدعوة إلى التدريس بالدارجة، وكأنها هي أم المشاكل التربوية؟ وأن حلها سيلحق تعليمنا بالمستوى الذي حققته البلدان التي تعنى بتعليم أبنائها، وتراه فوق كل الأولويات، أن أثير جدل ساهمت فيه بعض القنوات عبر «مناظرة» ساهم فيها صاحب «الدعوى النصية» مع عبد الله العروي؟ وسكتت شهرزاد عن الكلام غير المباح. وجاءت مشكلة «تأديب» الأستاذ من لدن أحد تلامذته داخل الفصل لتكون حديث الأحاديث، وما مشكلة التعاقد، وأداء الرسوم في الجامعة، والمجانية، ببعيدة؟
أين الكوع من البوع في هذه المشاكل والقضايا؟ صرفت أموال طائلة في البرنامج الاستعجالي، واستحدثت مؤسسات لتضطلع بالإصلاح. تم اعتماد نظام الإمد (إجازة، ماستر، دكتوراه)، وجاءت المقاربة الجديدة، واستحدثت المختبرات والمراكز، فماذا جرى؟ لم يحدث أي تحول حقيقي، ومع الزمن تلتحق المشاكل الجديدة لتضاف إلى القديمة لتعززا معا المشاكل التاريخية. فهل يمكننا تلمس إرادة للفعل، أو معرفة الفعل في هذه الصيرورة؟
التعليم قضية وطنية وحضارية. وما لم نرفعه إلى هذه المرتبة، سنظلّ نتعامل معه تعاملنا مع ديمقراطية إرضاء الخواطر، وسدّ الثغرات المؤقتة، واعتماد المقاربة الأمنية. ويظهر لنا هذا بجلاء في غياب سياسة تعليمية لها أسس وضوابط ذات بعد وطني ـ مستقبلي. فكل وزير يتحمل مسؤولية التعليم يعمل على خوض تجربة لا علاقة لها بالسابقة، ثم يأتي وزير آخر، ليستحدث ما نسخه سابقه، وهكذا؟ إن الاشتغال في قطاع التربية والتعليم بدون «ذاكرة مستقبلية» لا يؤدي إلا إلى القطائع الذي تجعله أبدا موضوعا للتجريب. وهنا الطامة الكبرى.
ثقافة الإصلاح التربوي تتصل بالسؤال الجوهري حول «المواطن» الذي نود تكوينه للمستقبل. وتغييب هذا السؤال خوض في سجالات سياسية تتعلق بأعراض تقنية لا يمكنها الإسهام في الإصلاح. سؤال الإرادة والمعرفة هو سؤال الإصلاح.

—————————————————————————————————-

٭ كاتب مغربي

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.