الرئيسية | تحاليل سياسية | هل يضطر الغنّوشي إلى تطبيق الفصل 48 على تصرّفات عبير موسي؟

هل يضطر الغنّوشي إلى تطبيق الفصل 48 على تصرّفات عبير موسي؟

تحاليل _ تحاليل سياسية _ هل يضطر الغنّوشي إلى تطبيق الفصل 48 على تصرفات عبير موسي؟

ما كدنا نخرج من مصيبة الحادث المروري الذي حصل بمنطقة عمدون من ولاية باجة و الذي أودى بحياة حوالي 26 شاب وشابة كانوا في رحلة ترفيهية إلى مدينة عين الدراهم وما خلفته هذه الفاجعة من لوعة وألم وحزن كبير عم البلاد بكاملها حتى دخلنا في دوامة أخرى – في انتظار إنهاء دوامة تشكيل الحكومة – كان مجلس نواب الشعب مسرحا لها بعد خروج كتلة حركة النهضة عن صمتها تجاه رئيسة حزب الدستوري الحر بسلوكها العنيف تجاههم وتصرفاتها الحادة ونعوتها غير المقبولة بحق النهضويين الذين أشبعتهم سبا وشتما .

هذا الخروج عن الصمت جاء من النائبة النهضوية جميلة الكسيكسي التي فاجأت الجميع بمداخلتها في جلسة التصويت على قانون المالية التكميلي حيث توجهت إلى نواب حزب التجمع المنحل ورئيسته عبير موسي واعتبرتهم ” كلوشارات ” هذا البرلمان و” باندية ” هذا المجلس في إشارة إلى ما تقوم به عبير موسي من تصرفات تخرج عن مهام النائب ودوره واعتبرت الكسيكسي أن هذه الأخيرة ما جاءت إلى البرلمان إلا لغاية وحيدة وهي تعطيل أعمال البرلمان وإفشال مسار الثورة التونسية التي لا تعترف بها كما لا تعرف بالدستور الذي سمح لها بأن تكون نائبة وأنهت مداخلتها بقولها ” نحن لا نرغب في سماع أصواتكم النشاز ” وطالبت النائب الأول لرئيس البرلمان سميرة الشواشي بتطبيق النظام الداخلي للبرلمان في إشارة إلى ضرورة التدخل لإيقاف ما وصفته عربدة من عبير موسي.

بعد هذه المداخلة من النائبة جميلة الكسيكسي دخلت عبير موسي في حالة من الهيجان فقدت فيها أعصابها مما اضطر رئيسة الجلسة أن توقف الجلسة العامة بعد الانتهاء من عملية التصويت على قانون المالية التكميلي وإثر ذلك قررت كتلة الدستوري الحر الدخول في اعتصام داخل قاعة الجلسة العامة وأمام مكتب رئيس البرلمان وشدّدت على أنّها وكتلتها لن يفكّوا اعتصامهم إلّا بعد أن تقدّم النائبة جميلة الكسيكسي اعتذارا رسميا إلى الكتلة. ولم تكتف عبير موسي بالاعتصام بل قامت باقتحام جلسة اللجنة المالية في محاولة لإيقاف أعمالها، وزادت على ذلك بأن منعت رئيس المجلس من دخول مكتبه ممّا اضطره إلى عقد اجتماع مكتب المجلس في المبنى المجاور المخصّص لمجلس المستشارين وأنهت عبير هذا التمرّد على أعراف البرلمان وتقاليد العمل داخل مجلس نوّاب الشعب بأن تشاجرت مع نوّاب قلب تونس وكالت لهم التّهم والشّتائم.

أمام هذا التّصعيد وهذا الهرج الحاصل في برلمان الشعب وهذه الفوضى التي تعرفها أشغاله وعدم انضباط النواب إلى أعراف وتقاليد العمل البرلماني، تعالت الأصوات تطالب بتغليب صوت العقل وتدعو الجميع إلى التحلّي بالحكمة والعودة إلى الهدوء وإنهاء هذا الخلاف بين كتلة حركة النهضة وكتلة الدستوري الحر والعودة إلى الإشتغال بالقضايا الحقيقية التي من أجلها تم انتخاب هؤلاء النواب. ولكن يبدو أن هذه الأصوات لن تلقى آذانا صاغية ولن يعرف هذا الإشكال طريقه إلى الحل في المنظور القريب لنجد أنفسنا أمام فرضية تطبيق القانون الداخلي للبرلمان حيث طالب الكثير من الحقوقيين من السيد راشد الغنوشي بصفته رئيس البرلمان تحمّل مسؤولياته وتطبيق القانون وفرض التزام كافة النواب بالنظام الداخلي للمجلس وتطبيق الفصل 48 منه والفصول ذات الصّلة به.

وهذا يعني أنّه إزاء تواصل اعتصام نوّاب كتلة الدستوري الحر وأمام تواصل تعطيل أعمال اللجان ومنع الجلسات العامة من الانعقاد وكلّ التهديد الذي تتوعّد به عبير موسي ورفضها كلّ محاولات الصلح والوساطة لإنهاء هذه الأزمة واشتراطها تقديم كتلة النهضة اعتذارا رسميا، فإنّ راشد الغنوشي رئيس المجلس ليس أمامه من خيار غير العودة إلى القانون الدّاخلي للبرلمان وتطبيق الفصل 48 الذي يحمّل رئيس المجلس كامل المسؤولية في السّهر على حسن سير أعمال البرلمان ومصالحه وهو المسؤول على حفظ النظام والأمن داخله وحوله وله كامل الصلاحيات لاتخاذ ما يراه ضروريا من التّدابير المتعلّقة بالوضعيات الإدارية والمالية لأعضاء المجلس وأعوانه. وزاد الفصل 56 منه بأن منح لمكتب المجلس كامل الصلاحيات لضمان حسن سير مختلف أعمال المجلس وله أن يتخذ من الإجراءات التي يراها مناسبة في الغرض.

وهذا يعني أنه أمام هذه الأزمة الحادّة التي تعطّل السّير العادي للبرلمان وأمام ما يمنحه النظام الداخلي من صلاحيات لرئيس البرلمان الذي تخوّل له اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات، فإن راشد الغنوشي مضطر أن يفعل أحكام الفصل 48 والفصول ذات الصّلة غير أنّ الإشكال الذي يثيره هذا الحلّ القانوني بعد أن فشلت كلّ الحلول الأخرى من وساطة ومفاهمات في تحديد ما المقصود من عبارة “ما يراه من تدابير لضمان حسن سير أعمال البرلمان“. فهل أنّ المقصود من هذه العبارة هو الاستعانة بالقوّة العامّة واستدعاء الشّرطة لإيقاف نوّاب كتلة الدستوري الحر وفكّ اعتصام رئيسته وإنهاء حالة الفوضى التي أحدثتها بعد أن توعدت بإيقاف أعمال البرلمان؟

إنّ نقطة ضعف هذا التأويل الذي يذهب إليه البعض وينتصر له الكثير من الحقوقيين ويطالب به جانب من النوّاب الذين يحمّلون رئيس البرلمان المسؤولية في إنهاء هذه الأزمة هو منحاه السياسي وخطورة تكييف تصرّفات عبير موسي على أنّها تهديد خطير لأعمال المجلس ما  يفرض الاستعانة بالقوّة العامّة لفرض النظام. إنّ الخوف في اعتبار الاستنجاد بالأمن الرئاسي لحماية المجلس تصرّف سياسي وسابقة خطيرة قد تخلّف تداعيات على الوضع العام في البرلمان وتداعيات أخرى على علاقة النوّاب بعضهم ببعض والذين عليهم أن يقبلوا بالعيش المشترك في كنف الاحترام رغم اختلافهم وعدم الاعتراف المتبادل.

____________________________________________________________

* نوفل سلامة

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.