الرئيسية | تحاليل إقتصادية | قلّالة التونسية.. مدينة الفخّار تنام وتصحو على الكساد.

قلّالة التونسية.. مدينة الفخّار تنام وتصحو على الكساد.

تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ قلّالة التونسية.. مدينة الفخّار تنام وتصحو على الكساد.

يبدو أن مدينة قلالة التونسية والتي اتخذت اسمها من الحرفة التي خبرها سكانها في صناعة القلال والأواني الفخارية التي بدأت تندثر، وسيبقى الاسم مرتبطا بالمدينة نتيجة تراجع تسويق هذه البضاعة التي كان يقبل عليها السياح الأجانب والزائرون التونسيون، لكن الأزمة الاقتصادية في أوروبا والفوضى الأمنية التي خلفتها الثورة واكتساح البضاعة الصينية للأسواق، ستدفع الحرفيين إلى البحث عن مصدر رزق آخر.

ملامح مدينة قلالة المنتصبة بهدوء على بعد نحو 20 كم جنوب جزيرة جربة التونسية، تغيّرت تماما في السنوات الأخيرة.

فهذه المدينة الأمازيغية التي كانت أسواقها، إلى وقت قريب، مزدانة بشتى أنواع الفخار الذي يقبل السياح، محليون كانوا أم أجانب، على ابتياعه، فقدت بريقها مع تراجع الإقبال على هذه الصناعة اليدوية الشهيرة.

قبل سنوات، لم يكن أي سائح يزور جزيرة جربة يفوّت على نفسه فرصة التعرف إلى قلالة، هذه المدينة التي توارثت، عبر السنين، صناعة الفخار وبيعه لزوارها.

ففي مختلف المتاجر المتناثرة في أرجائها، يقبل الزوار على ما تعرضه من أواني فخار، البعض يختار شراء عدد منها، فيما يفضل آخرون توثيق طرق صناعتها عبر كاميراتهم ثم يمرون تاركين أصحاب المحلات ينتظرون زبائن آخرين.

وصناعة الفخار بالمدينة ليست وليدة الأمس، إنما تعود أعرق مصانع الفخار فيها إلى 4 قرون خلت، وفي أحد هذه المصانع، يعمل الحرفي الأربعيني، فتحي السقّال.

فتحي أبدى أسفه البالغ لما يشهده قطاع الفخار من تراجع جراء ضعف المبيعات سواء بالسوق المحلية أو الخارجية، وتحديدا نحو أوروبا منذ 2008، تاريخ اندلاع الأزمة المالية العالمية.

وأوضح فتحي، أن “العديد من الشركات الناشطة في تصدير الفخار إلى الخارج كانت موجودة قبل ذلك التاريخ”. وتابع، “إلى حدود 2008، كنت أقوم بمفردي بتصدير قطع الفخار إلى فرنسا، برقم معاملات قد يصل إلى 25 ألف دينار سنويا (ما يعادل نحو 10.15 ألف دولار)، أما اليوم، فنحن لا نصدّر شيئا”.

وبحسب الحرفي، فإنّ تكاليف صناعة الفخار ارتفعت بشكل كبير في الأعوام الماضية، بسبب غلاء الطين المستورد في معظم الأحيان من فرنسا.

فيما حافظ عدد ضئيل من الحرفيين على عادة ابتياع الطين من حفرة كبيرة على شاكلة حوض بمدينة قلالة يطلق عليه اسم “المعدن”، ويتراوح عمقه من 20 إلى 50 مترا تحت الأرض.

وعلاوة على ما تقدّم، يشكو عدد من تجار وحرفيي قلالة من غياب السياح الأجانب عن المدينة، عقب ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين علي.

غياب لم تفلح خصوصية المدينة الأمازيغية، ووجودها ضمن المسلك السياحي لجزيرة جربة، في استقطاب أعداد السياح التي بدأت بالعودة إلى الجزيرة إثر استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد.التاجر بالمدينة، علاء بن ميمون، يُرجع هذا الأمر إلى تقيُّد السياح بالمسلك الذي تفرضه عليهم وكالات السفر.

علاء قال، إنه “لم يعد هنالك سياح أجانب، ونحن نشتغل فقط مع السياح التّونسيين ممن يعرفون هذه المدينة، والسائح الأجنبي يتقيد بشكل كبير بالمسلك المفروض عليه من الشركات السياحية”.

وتابع، “هذه الشركات تتعامل، في معظمها، وبشكل حصري، مع محلات معيّنة للصناعات التقليدية، بناء على اتفاق مسبق بين صاحب المحل ووكالة السفر”.

وبحسب بن ميمون، فإن “الحرفي يجد نفسه مجبرا على دفع مبالغ كبيرة لهذه الشركات، حتى تجلب له السياح، وإلا فإن هذه الشركات تقوم بتوجيه السياح نحو محلات أخرى”.

ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من جامعة وكالات السفر التونسية، وهي الهيئة الممثّلة لوكالات السفر بالبلاد.

من جانبه، قال سليم غنجة، المسؤول عن قطاع الصناعات التقليدية بمحافظة مدنين (جنوب)، إنّ “السلطات المحلّية اجتمعت، في وقت سابق، مع ممثلي وكالات السفر، وتم الاتفاق على ترك الحرية الكاملة للسياح للتجوّل في مدينة قلالة’، مضيفا، أنّ “وكالات الأسفار لم تلتزم بهذا الأمر”.

ويشكو الكثير من الحرفيين في قلالة التونسية من قلة دعم الدولة لصغار الحرفيين، إضافة لفرض ضرائب مجحفة بحقهم، ما أدى إلى هجر عدد كبير منهم للمهنة.

الحرفي بن ميمون، قال إن “حرفيين أغلقوا منذ أسبوعين، محلاتهم المخصّصة لبيع الفخار، واستبدلوها ببضائع أخرى، حتّى أن البعض فتح محله لبيع البنزين المهرب من ليبيا”.

وفي هذا السياق، قال سليم غنجة، مسؤول الصناعات التقليدية بالمحافظة التي تنتمي إليها قلالة، إنّ “الدولة تقدّم قروضا هامة للحرفيين، مع امتيازات وتسهيلات في التسديد”.

وأضاف أن الدولة تقدّم أيضا “منحا تقدر بـ500 دينار (ما يعادل نحو 200 دولار)، لعدد من الحرفيين، كما تتكفّل بتوفير فضاءات مجانية في معرض الصناعات التقليدية بالكرم (ضاحية بالعاصمة التونسية) للتعريف بمنتجاتهم”.

وعلاوة على الإشكالات المحلية، لفت عدد من الحرفيين إلى أن فخار قلالة يواجه منافسة شرسة في السوقين المحلية والخارجية، من المنتجات الصينية.

ففي متاجر الصناعات التقليدية بقلالة، تزاحم قطع الفخار الصينية نظيرتها التونسية، “ما يهدد استمرارية هذه الحرفة” بحسب فتحي السقال.

ويتفق سليم غنجة مع هذا الحرفي، غير أنه يعتبر المسؤولية الأولى في هذا الأمر تعود إلى وزارة التجارة التي بإمكانها أن تمنع استيراد الفخار من الصين.

وتزداد مخاوف الحرفيين في مدينة قلالة من أن تتواصل أزمة تسويق منتجاتهم من الفخار الذي تعتبر صناعته العنصر المحدد لهوية المدينة، فيضطرون إلى البحث عن مورد رزق آخر وتبقى صناعة الفخار حبيسة المتاحف وكتب التاريخ.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.