الرئيسية | تحاليل سياسية | ديبلوماسية «الزّيت والتّمر»… الاستعانة مجدّدا بأسلوب بن علي تعتبر «فضيحة» في مهد الرّبيع العربي.

ديبلوماسية «الزّيت والتّمر»… الاستعانة مجدّدا بأسلوب بن علي تعتبر «فضيحة» في مهد الرّبيع العربي.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ ديبلوماسية «الزّيت والتّمر»… الاستعانة مجدّدا بأسلوب بن علي تعتبر «فضيحة» في مهد الرّبيع العربي.

لم ينته الجدل حول دبلوماسية «الزيت والتمر» في تونس، وقد يستمر طويلا، لكنّه يفتح الباب أمام المزيد من الأسئلة حول كيفية إدارة الدبلوماسية التونسية للملفات الخارجية الشائكة، ويستحضر بدوره ما يسمى «الدبلوماسية الشعبية» التي اعتمدها عدد من الأحزاب السياسية القريبة من السلطة في ما يتعلق خصوصا بالملف الليبي (والسوري نوعا ما)، في ظل الأداء غير المقنع للدبلوماسية الرسمية.
نحن إذا أمام كمّ من الدبلوماسية الهامشية أو غير الجدية التي يتم استخدامها للتعامل مع ملفات هامة جدا تتعلق بعلاقات تونس بالخارج، وخاصة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي كان وما يزال الشريك الأبرز الذي تعوّل عليه تونس لإنقاذ اقتصادها المتعثر منذ سنوات، فضلا عن العلاقة مع ليبيا الخاصرة اللينة لتونس، والتي تعاني من فوضى أمنية مستمرة تسببت بتسرب عشرات المتطرفين إلى التراب التونسي لينفذوا عمليات إرهابية عدة في البلاد.
بلا شك، لا يمكن اعتبار الجانب الأوروبي نزيها في تعامله مع دول «الجنوب» وخاصة تونس، فما يهمه بالدرجة الأولى هو تأمين حدوده من قوارب الموت التي تحمل يوميا مئات المهاجرين الهاربين من جحيم بلدان إلى نعيم أوروبي مزيّف، ولذلك تشهد تونس وجوارها «حجا متواصلا» من الدبلوماسيين الأوروبيين بهدف توقيع اتفاقيات جديدة تضمن إعادة المهاجرين الذين نجحوا بالوصول إلى البر الأوروبي، فضلا عن محاولة «توطين» الباقين ضمن «مخيمات» مؤقتة في دول شمال إفريقيا وخاصة ليبيا.
إلّا أنّ «الهدايا» التي كشفت عنها صحيفة «لوموند» الفرنسية، وتتضمن منتجات غذائية (زيت زيتون وتمر) قالت إن الدبلوماسية التونسية أرسلتها لنواب الاتحاد الأوروبي بهدف حثّهم على التصويت ضدّ إدراج تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تعدّ «فضيحة» بكلّ المقاييس، رغم النّفي القاطع من قبل الخارجية التونسية واتهامها للصحيفة الفرنسية بتلفيق أخبار كاذبة، والذي لم يُقنع نسبة كبيرة من التونسيين المشكّكين أساسا بالأداء غير المقنع لدبلوماسية بلادهم، والتي يعتبر أغلبهم أنّها باتت تسيء لهيبة الدولة.
«الفضيحة الدبلوماسية» الجديدة كان يمكن أن تمرّ بسلاسة وبدون جدل في ظلّ حكم نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي المعروف باستخدام أساليب «ملتوية» للحصول على مكاسب سياسية أو دبلوماسية أو غيرها، حيث سبق أن حاول رشوة العاملين قناة «الجزيرة» القطرية بأفخر أنواع التمور التونسية (دقلة النور)، أملا بجذبهم إلى صفه، أو ربما لتحويل القناة إلى «بوق» يبيض الصفحة السوداء لنظامه المستبعد، ولكن يبدو أن هذه «الهدية» التي قوبلت بالسخرية لدى العاملين في «الجزيرة»، جاءت بنتيجة عكسية أدّت بعد سنوات إلى سقوط نظام بن علي وهروبه إلى السعودية.
ولكن من غير المنطقي أن تعود الدبلوماسية التونسية لانتهاج ذات الأسلوب المشبوه في بلد يتلمّس طريقه بصعوبة نحو الديمقراطية ويحتاج للقطع نهائيا مع نظام ثار عليه التونسيون ولن يكونوا سعداء بعودته، وإلا فما فائدة الثورة إذا لم تغير العقليات النمطية وتأتي بنفس شابّ جديد قادر على التعامل بندّية مع الآخر لإقناعه (وليس استجدائه) بأهمية الجهود المبذولة لمحاربة الفساد وإنعاش الاقتصاد ووضع البلاد على سكّة النمو الطويلة.
لا أحد يشكك بالجهود التي يبذلها رئيس الحكومة يوسف الشاهد لاجتثاث الفساد المستشري في البلاد، ولكنّ عددا كبيرا من المراقبين يؤكّدون أنّها تسير بخطّة سلحفاتية، متسائلين عن مصير الأموال المصادرة من رموز النظام السابق ورجال الأعمال الفاسدين. كما يعتبرون أن إقالة محافظ البنك المركزي الشاذلي العيّاري عقب القرار الأوروبي الأخير، محاولة غير موفّقة لاستخدامه «كبش فداء»، في حين كان من الأولى أن تستقيل الحكومة بأكملها، وخاصّة أن الاتحاد الأوروبي سبق أن صنّف تونس ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية في ديسمبر الماضي، قبل أن تتم إزالتها من القائمة في بداية العام الحالي.
دبلوماسية «الهدايا» المتّبعة مؤخّرا مع الاتحاد الأوروبي، تُذكّر بدبلوماسية أخرى تم تداولها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، واصطلح البعض على تسميها «الدبلوماسية الشعبية» أو غير الرسمية، حيث ساهمت حركة النهضة ممثلة برئيسها راشد بتقريب وجهات النظر بين عدد من الفرقاء الليبيين، وبين بعض الأطراف الليبية والجزائرية، حيث استقبل الغنوشي في منزله في وقت سابق أحمد أويحي رئيس ديوان الرئيس الجزائري السابق (رئيس الوزراء الحالي) والقيادي الإسلامي الليبي علي الصلابي، فضلا عن قيادات ليبية أخرى.
وذات الأمر يتعلّق بلقاء محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس بالجنرال خليفة حفتر قائد القوات التابعة لبرلمان طبرق الليبي، فضلا عن زيارة عدد من نواب الحزب الحاكم والمعارضة لدمشق ولقائهم عددا من المسؤولين السّوريين، على أنّ السلطات التونسية (الرئاسة والخارجية) أشادت بالنوع الأول من الدبلوماسية الشعبية (جهود النهضة في حلّ الملفّ الليبي)، فيما حاولت «التنصّل» من النوع الثاني، مشيرة إلى أنّ هاتين الزيارتين (إلى بنغازي ودمشق) تمّتا دون التنسيق معها.
على كلّ حال، يبدو أنّ الجدل الذي أثارته «الفضيحة» الأخيرة قد يدفع القائمين على الدبلوماسية التونسية إلى إعادة النظر في أدائهم الذي يبدو أنه لم يعد مقنعا لدى أغلب التونسيين على اختلاف مشاربهم. فتونس اليوم تحتاج إلى دبلوماسية جديدة تستوعب النّفس الثّوري الجديد ولا تحاول القفز على شبابها المتعطّش للتغير والقطع مع جميع الأساليب والأدوات البالية، فبن علي ذهب إلى غير رجعة رغم أنّ بعض السياسيين ما زال يحنّ إلى أيّامه «الخالية»!
ليس من المُعيب أن تسوّق «مهد الرّبيع العربي» لمنتجاتها من زيت الزّيتون والتّمر والهريسة، والتي تُعتبر – بشهادة الكثيرين – من أجود الأنواع الغذائية في العالم، على أن يتمّ ذلك في إطار تسويق المُنتجات المحلّية في الخارج وربّما محاولة جذب السيّاح إلى هذا البلد الجميل، ولكن أن تدخل هذه المنتجات في إطار الرشاوى أو شراء الذِّمم فهذا أمر غير مقبول وانتكاسة أخرى للدّيمقراطية الوليدة، ولا أعتقد أنّ شعب تونس الحيّ سيسمح بهذا الأمر.

_________________________________________________________________

* حسن سلمان | القدس العربي.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.