الرئيسية | تحاليل تربوية | ثقافة الموت. |بقلم: مريم الساعدي.

ثقافة الموت. |بقلم: مريم الساعدي.

تحاليل _ تحاليل تربوية _ ثقافة الموت. |بقلم: مريم الساعدي*.

يلتفُّ الطفل الصغير بالقماش الأبيض؛ يساعده زملاؤه على تغطية عينيه وكلّ جسده، إنّهم يكفّنونه؛ في درس اليَوْمَ في الروضة عن تحنيط المومياء. تقول المعلمة إنّه درس عن تنوّع الثقافات، وكان درس اليَوْم عن الحضارة الفرعونية. وكأنّ الحضارة الفرعونية هي فقط حول التحنيط والمومياءات، وكأنّ كلّ الفنون والعلوم التي ازدهرت في عهد الفراعنة غير جديرة بالإضاءة؛ وكأنّ قصّة الأهرامات ليست من الحضارة الفرعونية، وكأنّ أطفالاً في الخامسة والرابعة من العمر يعرفون ماذا يعني تحنيط الموتى. إنّها «ثقافة الموت» وليس تنوع ثقافات. التنوّع يعني الحياة؛ والحضارة تعني البناء؛ والبناء في الحياة يعني الفرح بالإنجاز. لماذا على طفل في الروضة أن يعرف كيف سيُطوى حين يموت؟ ماذا تركنا له زاداً من أمل؟ وكيف سيكون شكل أحلامه؟ وماذا لو فكَّر أن يطبّق درس الْيَوْم العملي على أخيه الرضيع؛ فكفّنه، كما قالت المعلّمة؛ حتى يختنق؟ من المسؤول عن كلّ التشوّهات الجسدية والنفسية التي يمكن أن تحدث جرّاء هذا التطبيق الفاشل في المنظومة التعليمية.

في حادثة سابقة؛ قامت المعلّمة بإحضار مُجسّم لخروف صغير؛ ربطت عنقه بحبل أحمر «في إشارة للدم»، وطلبت من الأطفال أن يمسكوا بسكّين كرتونية يضعونها على عنق الخروف المسجى أرضاً لكي يذبحوه؛ لكي تعلّمهم شعيرة الأضحية! وكأنّ طفلاً في الرابعة من العمر قد امتلك ناصية العلم الشّرعي والدنيوي ولَم يبق إلّا أن يتعلّم كيف يذبح الخروف. الخروف الذي كان يلعب معه ويضحك على ثغائه صار يمكن أن يذبحه تحت نظر وتصفيق الكبار؛ إذاً لما لا يذبح أيّ كائن أليف وضعيف حتى لو كان أخاً صغيراً أو زميلاً ضئيلاً أو… عنصراً في أقلّية؟

الروضة في اللغة هي الحديقة الغنّاء؛ فأيّة روضة تلك التي يرسل إليها الأطفال ليتعلّموا كيف يذبحون خروفاً صغيراً، وكيف تبدو الجثّة بعد الموت؟! التعليم مسؤولية جسيمة؛ ومُدرّس بلا وعي ولا تمييز لا يصلح أن يضطلع بهكذا مهمّة حساسة ذات أثر بعيد المدى في تشكيل نفسية الأجيال. وإن صحّ، جدلاً، هكذا تعليم في أيّ زمن فهو في هذا السياق من الزمن جريمة خطيرة. هذا الزمن الذي رأينا جميعاً كيف تتدحرج رؤوس البشر تحت سيوف المنادين باسم الربّ؛ في أكثر سلوك بشري بشاعة ودناءة.

عزيزتي معلّمة الروضة؛ احتفظي بحماسك العقائدي وانشغالك بالحياة بعد الموت؛ واجعلي الأطفال يركضون نحو الحياة ويضحكون مع الخروف وهم يبنون من مكعبات ملوّنة أهرامات مختلفة؛ هي معجزة الحضارة الفرعونية.

———————————————————————————————–

* كاتبة إماراتيه لها مقالات متفرّقة في صحف ومجلات عربية مختلفة.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.