الرئيسية | تحاليل إجتماعية | تونس: الحراك الإجتماعي يطل برأسه من جديد |بقلم: الهادي زعراوي.

تونس: الحراك الإجتماعي يطل برأسه من جديد |بقلم: الهادي زعراوي.

تحاليل _ تحاليل اجتماعية _ تونس: الحراك الإجتماعي يطلّ برأسه من جديد |بقلم: الهادي زعراوي.
“على يميني مارد إسمه الفقر وعلى يساري سفّاح إسمه الاستبداد وخلفي نظام يعذّبني ويستعبدني منذ قرون خلت وفي الأمام أرى تمرّد شعب.. ثورة شعب. “
بهذه الكلمات التي ردّدها أرنستو تشي غيفارا ، لا يختلف إثنان من متتبّعي الشأن العام للبلاد أن المجتمع التونسي يعاني  منذ عقود طويلة من تفاوت إقتصادي وتنموي رهيب وإخفاق كبير من جانب حكوماته المتعاقبة في تحقيق التنمية المستدامة القائمة على أساس العدالة الإجتماعية .وذلك راجع لانخراط الدولة في تطبيق سياسات رأسمالية متوحشة وتشجيع الممارسات الإحتكارية الجشعة التي تكرس لمفهوم الفقر والتهميش والإقصاء وعدم المساواة في المجتمع . إذ يكاد لا يخلو بيت في تونس اليوم من صورة من صور هذا الإجحاف الإجتماعي والتمييز الطبقي والفئوي بين الناس وتزايد كبير في معدلات الإقصاء والتهميش الشعبي ، حتى أصبح تحقيق مبدأ مثل العدالة الإجتماعية هدف دونه التحديات والصعوبات . فبعض التحديات يرتبط بتراكمات ثقافية تاريخية قديمة والبعض الأخر يرتبط بتعقيدات سياسية إقتصادية . لكن هذا كله لا يعفي عجز الدولة عن القيام بدورها و تراخي السلطة الحاكمة أيضا في مجابهة هذه التحديات  بكل عزيمة وإصرار ،من باب إلتزامات الدولة السياسية والإجتماعية والقانونية والأخلاقية تجاه مواطنيها . إلا أن هذا يظل غائبا . فمثلا مشروع ميزانية 2017 يكرس المزيد من التفقير والتجويع للطبقات الكادحة والفقيرة وحتى المتوسطة ولعل ما تم طرحه هذه الأيام من تسريح ألاف الموظفين والتوجه نحو خوصصة التعليم هو أبلغ دليل على فشل السياسة المتبعة  .فأبناء الشعب من معطلين وعمال ومفقرين ومهمشين ، هم الذين سيدفعون فاتورة هذه السياسات الفاشلة التي كانت ولازالت ترتبط بأوامر صناديق النقد الدولية الناهبة لثروات البلاد .وعلاوة على ذلك فقد تحركت ماكينة القمع والتنكيل بوتائر مفزعة على إمتداد البلاد لتزاوج بين النبش في القضايا القديمة وتحريكها في أروقة المحاكم ، وبين الانقضاض الأمني والقضائي ضد طالبي الحقوق الاقتصادية والإجتماعية .
فمن يحاكم من ؟؟
لم تتوقف المحاكم في أغلبية الجهات ( جربة ، قفصة ، سيدي بوزيد ، الكاف ، قليبية ،القصرين وزغوان …) عن الإشتغال لطحن عظام المئات من المناضلات والمناضلين من أبناء شعبنا على خلفية مشاركتهم فى الحركة الإحتجاجية التى هزت البلاد  هزا منذ مطلع جانفى والتي ما زالت تداعياتها متواصلة إلى حدّ اليوم  من أجل المطالبة بالشغل والحرية والكرامة الوطنية  .فمازالت المحاكمات متواصلة على خطى النظام النوفمبري السابق  بتلفيق تهم كيدية للمحتجين ، للحدّ من الإحتقان ومحاولة لضرب كل نفس ثوري .ولكن البديهي أيضا هو أن السلطة الحاكمة اليوم تريد التصدي  للتحركات الإحتجاجية بتوظيف القبضة الأمنية والقضائية كأداة لتجريم الحراك الإجتماعي و للتغطية عن فشلها .ويبدو أن يوسف الشاهد وحكومته يعيشون في كوكب أخر، ولا يعرفون أن الثورة قامت على التشغيل والمطالبة بتحقيق العدالة في تونس .وكانوا أصحاب الشهائد العليا في الصفوف الأولى .وبعد أن إتضح لألاف المعطلين أن التشغيل “ماثماش”، وتأكد الجميع من أنّ عمق الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي تشهدها تونس لن تحلها الوجوه الأتية عبر المحاصصة الحزبية ، بل بإرادة سياسية قوية ، بعيدة عن كل أساليب المماطلة والتسويف للمطالب المشروعة.

*القوى التقدمية في الشارع :
تصاعدت وتيرة الإحتجاجات في كامل جهات البلاد ، مطالبة بشعارات الثورة ، وكانت القوي التقدمية والثورية في الصفوف الأمامية ، بجانب الشعب ومطالبه المشروعة في العيش الكريم ، فهي تناضل من أجل إنقاذ تونس وأن تحمي المسار الثوري وتعززه بدون شرط أو قيد. فمنذ بداية جانفي كشرت السلطة عن أنيابها، وتحركت ماكينة القمع والتنكيل بوتائر مفزعة على أمتداد معتمديات قفصة لتزواج بين النبش في القضايا القديمة وتحريكها في أروقة المحاكم وبين الإنقضاض الأمني والقضائي ضد طالبي الحقوق الإقتصادية والإجتماعية . وبالتالي فتحت المحاكم أبوابها بالجهة  وبدأت تشتغل لطحن عظام المئات من المناضلات والمناضلين على خلفية مشاركتهم في الحركة الإحتجاجية التي هزّت الجهة  هزا منذ مطلع جانفى 2011 والتي ما زالت تداعياتها متواصلة إلى حدّ اليوم  في كلّ من الرديف والمتلوي والقطار والسند وأم العرائس . ومازالت المحاكمات متواصلة بتلفيق تهم كيدية للمحتجّين، للحدّ من الإحتقان الذي يسود جهة قفصة .ومحاولة لضرب كل نفس ثوري طالب بالشغل والحرية والكرامة الوطنية وتوظيف القبضة الأمنية والقضائية كأداة لتجريم الحراك الإجتماعي للتغطية عن الفشل الذريع الذي تتخبط فيه حكومة الشاهد
ففي معتمدية الرديف  تتم  محاكمة 9 من الشباب في قضية تعود إلى سنة 2015 بسبب إعتصام سلمي وتحرك من أجل التشغيل وقد تأجلت محاكمتهم إلى يوم 28 مارس 2017. أما بمعتمدية السند فقد تمت محاكمة 19 شابا ، و5 أخرين بتهمة الهيجان يوم 14جانفي 2011. .بالإضافة إلى صدور أحكام غيابية تراوحت بين الشهر والستة أشهر ضد  مايقارب 312من أهالي  معتمدية أم العرائس على خلفية إحتجاجهم منذ إندلاع ثورة 17-14 جانفي .ولا ننسى شباب معتمدية القطار أيضا الذين حوكموا بسبب تحركات تعود أطوارها لسنة 2014 .وبالإضافة إلى محاكمات أخرى من معتمدية المتلوي (22شاب). وبالتالي يصبح العدد الجملي للمحالين 375 شاب وشابة بمن فيهم المسنين (75سنة )
والتحركات الإحتجاجية هي من أجل المطالبة بالتشغيل وبالتنمية العادلة .لكن الملفت للإنتباه أن كل التهم لا تختلف من مدينة إلى أخرى وهي على سبيل الذكر تكوين وفاق ، الإعتداء على موظف عمومي ، غلق الطريق وتعطيل حرية الشغل .
وإن العودة إلى تقديم هذا الحدث ليس ترفا فكريا يراد منه تسجيل الحضور على الورق بل إن الحاجة اللحظة التاريخية التي تمرّ بها بلادنا باتت في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قراءة موضوعية حتى لا تكون الفئات الفقيرة والكادحة والمهمشة كالعادة هي مجرد وقود تدفع فاتورة نضالها المشروع ضدّ الفساد والاستبداد بسلطة القرار. وجدير بالذكر ان جهة قفصة لها مناضلين من طينة خاصة، من نقابيين وسياسيين وحقوقيين ومحامين سينحازون للدفاع عن شباب الجهة، لاسيما وأن الفرع الجهوي للمحامين بقفصة وفرع قفصة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، والنقابات الأساسية بأم العرائس قد أصدروا بيانات مساندة نندوا فيها بمثل هذه المحاكمات الجائرة .
*خلاصة القول :
إن النظام الحاكم اليوم، هو نظام معاد لمصالح عامّة الناس وللطبقات الكادحة والفقيرة بصفة خاصّة وهو إمتداد للنظام السابق ولا مصلحة للشعب فيه، وإن خلاص الشعب التونسي يكمن في وجود حكومة وطنية لا تخشى لوبيات الفساد وترفض الخيارات الخارجية التي تنهب البلاد، وتضع نصب عينيها إستكمال المسار الثوري وتلبية حق أبناء الشعب في الشغل والحرية والكرامة الوطنية….إنّ المعركة لم تنته كما يتوهّمون.
——————————-

* كاتب وناشط مدني.

شاهد أيضاً

من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري

تحاليل _ تحاليل سياسية _ من يتذكّر الغنّوشي؟ | معن البياري* تكتمل الخميس المقبل أربعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.