الرئيسية | تحاليل سياسية | بعد أحداث تطاوين والحسيمة: تطوّرات المغرب العربي تقرع الجرس. |بقلم: عدلي صادق.

بعد أحداث تطاوين والحسيمة: تطوّرات المغرب العربي تقرع الجرس. |بقلم: عدلي صادق.

تحاليل _ تحاليل سياسية _ بعد أحداث تطاوين والحسيمة: تطوّرات المغرب العربي تقرع الجرس. |بقلم: عدلي صادق*.

يستحق الحراك المطلبي في الريف المغاربي، اهتماما كبيرا، لكي لا يتطور إلى ثورة اجتماعية، تتخللها ثغرات ينفذ منها المتربصون بشعوب العرب والمسلمين، فتصل أصداؤها إلى ما تبقى من الأقطار المستقرة أو التي استعادت استقرارها.

ولعل أول ما تُلام عليه حكومات المغرب العربي، هو تغييب التنمية مترافقا مع غياب العدالة، فضلا عن إسدال الستار عمليا عن اتحاد المغرب العربي المعطل، الذي كان أمنية عزيزة وقديمة، ذات حيثيات اجتماعية اقتصادية، تبنتها قوى التحرر من الاستعمار.

لكنّ هذه القوى، أو وارثي مواقع السلطة فيها، لم يجدوا أمامهم، أضعف من فكرة الاتحاد لكي يستقووا عليها، علما بأن أحزاب الطليعة الاستقلالية، الحزب الدستوري التونسي وحزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، عقدت مؤتمرا جمعها في طنجة في ربيع العام 1958 واعتبرت تحقيق اتحادها هدفا تسعى إليه، باعتباره تطلعا شعبيا مغاربيا.

لكن ما حدث للأسف، هو أن الأمور تعثرت، قبل الإعلان المتأخر عن قيام الاتحاد وبعده، على الرغم من كل الترضيات والتقاسمات حتى على المستوى الشكلي والإداري، بين الدول الخمس الأعضاء، لكي لا يكون للاتحاد المولود أب واحد. فقد اجتمعوا أولا على شاطي زيرالدا قرب العاصمة الجزائرية في يونيو 1988، عندما علا الطنين في الثقافة السياسية في العالم، بأنّ الزّمن لم يعد زمن الضعفاء المتفرّقين، وإنما زمن الأقوياء المتضامنين الذين يتكتّلون ويتشاركون في مصالح اجتماعية واقتصادية وسياسية أو في منظومات إقليمية.

في ختام اجتماع زيرالدا أصدروا بيانا أكّدوا فيه على رغبة شعوب المغرب العربي في إقامة اتحاد يجمعها، وقرّروا تشكيل لجنة لضبط وسائل تحقيق هذه الأمنية، ثم ذهب ممثلو الأحزاب في المرة التالية إلى طنجة المغربية، ليعلنوا منها قيام الاتحاد في فبراير 1989 بمشاركة ليبيا وموريتانيا.

غير أن هذا الاتحاد أصيب بالعلة نفسها التي تُصاب بها منظومات التعاون والتكتلات الإقليمية. وجاءت المآلات معاكسة لما أعلن من أهداف الاتحاد، أي تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض وتحقيق الرفاهية للمجتمعات والدفاع عن حقوقها وفتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع ورؤوس الأموال.

لو تناولنا هذه الأهداف واحدا واحدا ومقارنته بالواقع وبالسياسات الجارية، لوجدنا الأمور على النقيض. وليت الأمر ظل على عدم تماشي السلطات السياسية مع هدف تمتين أواصر الأخوة بين الدول والشعوب بعضها ببعض. فقد تفاقمت المشكلات الاقتصادية الاجتماعية، التي نشأت على خلفية انعدام تمتين الأواصر وتحقيق الرفاهية وتكريس العدالة بين المكوّنين العرقيين الرئيسين، في الشعب الواحد، الأمازيغي والعربي.

بعد استقلال الجزائر، انعقد مؤتمر العام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية بين دول المغرب العربي، ولم يلمس أحد تنشيطا ولا تعاونا في الاتجاه المأمول، ثم جرت اتفاقات ثنائية تحت عناوين نبيلة. وكانت الفجوة الزمنية بين المؤتمرات تزيد عن عشر سنين تخللتها بيانات وحدوية سرعان ما يتضح خلال ساعات أنها مستحيلة.

لقد بات الأمر في حاجة إلى خطوات شجاعة لنفض الغبار عن اتحاد المغرب العربي. فمن واجب أنظمة الاتحاد، جميعها، أن تتحسس خطورة حراك الريف المغاربي، الأمازيغي في معظمه. فلا شيء ينبغي أن يبرر تغييب العدالة سوى الفساد والغباء السياسي والضآلة الثقافية.

إن دول الاتحاد تشغل مساحة من الكوكب الأرضي، تزيد عن مساحة القارة الأوروبية، ولديها من الثروات ما يغطّي شعوبها التي لم تزد كثيرا عن مئة مليون نسمة، وأن تتيح لهم، بوجود مشروعات التنمية المتكاملة، أن يحصلوا على فرص العمل وعلى التأمينات الاجتماعية أكثر مما يتوافر للشعوب الأوروبية، لا سيما في حال انضمام ليبيا بعد استقرارها.

ولن تكون شعوب المغرب والجزائر وتونس في حاجة إلى اللجوء لأوروبا ولا لأن يتعرّض الشباب اليائس لتأثيرات فقهاء السوء والإجرام، مثلما حدث لشرائح من الشباب المغاربي المحبط والمُعدم، التي أنتجت إرهابيين يقتلون أنفسهم ويقتلون الآخرين.

إن الاحتجاجات الحاصلة في تطاوين التونسية جاءت نتيجة البطالة والتهميش وشُح التنمية، وهما الذميمتان اللتان أشعلتا أوار الانتفاضة الشعبية السورية.

فتطاوين منطقة استثنائية منتجة للبترول النادر في تونس وفيها ثروات إنشائية أخرى، وتقع في منطقة صحراوية عند الحدود الجزائرية الليبية، فليس أقل من تنميتها واستيعاب شبابها، في الصناعة البترولية وإداراتها وخدماتها في إطار تنموي.

لقد كان ولا يزال من بين أسوأ ممارسات التهميش، أن تُحرم من التنمية المناطق المنتجة للثروة، مثلما يفعل حكم الملالي في إيران، مع العرب في عربستان التي توجد تحت أراضيها الغالبية العظمى من ثروة البترول والغاز، فيقابلها النظام الإيراني بالقمع وبحرمان شعبها في الأحواز وعبدان والخفاجية والمحمرة والجزيرة وغيرها من أبسط حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لقد كان التهميش، الذي يعقبه قمع للاحتجاجات المطلبية، من بين أخطر أسباب الانتفاضة السورية، لأن المناطق المهمشة هي التي تعرضت لقمع الحكم الطائفي، بينما هي تزود البلاد بكل ثرواتها، في الحسكة حيث النفط وزراعة المحاصيل الاستراتيجية كالحبوب والقطن، وفي دير الزور حيث النفط وشريط نهر الفرات الحيوي، وفي الرقّة حيثما تُنتج الكهرباء، وفي درعا وحوران التي كانت مخزن حبوب وغذاء الإمبراطورية الرومانية، وتسمى “أهراء الشام”.

لقد كان التمييز البيّن قد وقع على مواطني تلك المحافظات، بالمقارنة مع محافظات الساحل والعاصمة. من خلال أحداث الحسيمة وتطاوين، وقبلها الأحداث في العمق الجزائري، يبدو الأمر تطورا خطيرا، ويتطلب الحيوية والقوة المعطوفتين على تعاضد مغاربي لن يتحقق بغير تنحية الأسباب السخيفة للشقاق، والعودة إلى صيغة العمل المشترك لإحراز رفاهية الشعوب وتكريس العدالة في التنمية وإنهاء التهميش في الإدارة والسياسة.

———————————————————————————————-

* كاتب فلسطيني.

شاهد أيضاً

أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة

تحاليل _ تحاليل سياسية _ أردوغان الرّابح الأكبر من صراع الناتو وروسيا | فاضل المناصفة* …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.